هل نريد الاصلاح السياسي حقا؟!
حسين الرواشدة
10-02-2012 02:43 AM
لدينا تراث عربي وانساني كبير من الوصفات السياسية الجاهزة لتدشين الاصلاح ، ولدينا - ايضا - تجربة معقولة لحراك سياسي وحزبي وشعبي مفتوح يمكن الرجوع لقراءتها في كتب ومذكرت ومطالبات صدرت لبعض الذين نشطوا في هذا المضمار ، لكن لدينا عقدة من تكرارالحديث في هذا الموضوع ، او من تعليق الامال على ما ينطلق من وعود حوله ، فعلى امتداد السنوات الماضية ، تراجعت المسيرة الديمقراطية في بلادنا ، وتراوحت دعوات الاصلاح السياسي بين مد وجزر ، وارتبطت غالبا بالمتغير الخارجي اكثر من ارتباطها بالضرورة او الدافعية الوطنية ، وبدلا من ان نتوجه الى الفعل الذي لم يكن بحاجة لاكثر من ارادة وقرار ، توجهنا الى التغطية عليه بانشاء وزارة للتنمية السياسية وكأن السياسة في بلادنا بعد ستين عاما بحاجة الى تنمية تأخذها الى الرشد والنضج ، مع اننا ندرك تماما ان الدخول في التجربة ، وتصويب اخطائها ، وتمكينها من ارساء قوانين وتقاليد ، هو مفتاح التنمية الحقيقية ، باعتبار ان الكلام الطويل عن التنمية والاصلاح ، هذا الذي استغرقنا طويلا فيه ، شيء يختلف تماما عن مباشرة التنمية في الميدان.. وعن مباشرة الاصلاح بالعمل والانتاج ، لا بوضع التصورات والخطط وتوزيع الوعود وتزاحم الحوارات والورش وجلسات العصف الفكري وتعليق التأخير على مخاوف تغيير المعادلات القائمة ، او على هواجس الظروف الطارئة.
الآن(بعد الربيع العربي الذي اسقط فزاعات الانظمة وتبريراتها) بوسعنا ان نسأل بصراحة: هل لدينا الرغبة والارادة باخراج ملف الاصلاح السياسي من دائرة الكلام والوعود والاجراءات البطيئة الى التنفيذ العاجل والمدروس ، هل دقت ساعة الحقيقة فعلا لنباشر تنفيذ مشروعه دون ابطاء ، وقبل ذلك ، ما هو الاصلاح السياسي الذي نريده ، وهل سيختزل في قانون الانتخاب فقط ، ام في احياء الحزبية وفق رؤية عابرة للمخاوف والتحفظات ومقررات الوجوه المتناقضة ، ثم ماذا عن مجالات الحريات العامة وتشريعاتها ، وماذا عن آليات تشكيل الحكومات ومحاسبتها ، وعن الفساد وجذوره الممتدة في الاعماق وغير ذلك من العناوين التي تتعلق بصناعة القرار؟
الاصلاح السياسي يفترض ان يكون مشروعا للتحديث لا مجرد محاولة للتحسين والتزيين وطلاء الجدران ، ويجب ان يؤسس لمرحلة من التقويم والنقد والحراك المجتمعي لا للتسليم بالواقع والمحاصصة وتقليب المصالح والمواقع وفق المعادلات القائمة ، وهو ذلك يحتاج الى مصلحين و سياسيين جدد ونخب حقيقية ومناهج وبرامج سياسية ، والى قيم وطنية وسياسية واجتماعية تتجاوز ما ألفناه من قيم الشطارة واعراف البزنس ومقولات الجغرافيا واعتبارات المكافأة والترضية ومبررات تقديم اصحاب الحظوة على اصحاب الكفاءة.
حتى الآن ، لا تزال هذه الاسئلة وغيرها معلقة بلا اجابات ، ولا نزال - نحن - نتمسك بآمالنا المشفوعة برجاء التطوير والخروج من محنة الجمود والتعطيل والتعويل على ما يريده الاخر لنا ، لكن ذلك لا يمنعنا من التنبيه الى عدم الانشغال بما يجري اذا كان الهدف منه الاستهلاك فقط ، او استباق ما ينتظر ان يأتي من الخارج ، او عادة السجالات التي شهدناها في مواسم الفزعات الى الصدارة مرة اخرى ، او غير ذلك من المبررات التي لا تخفى على المواطن الذكي ، ومعيار اهتمامنا - هنا - هو الحركة نحو الفعل والمبادرة ، وما يصدر من مقررات وقرارات ، وما يعتمد من ضرورات داخلية وخصوصيات محلية ، واعتبارات وطنية ، لا ما يقال من تكييفات او رسائل او محاولات للتغطية وتزيين الصورة.. او اشغال الصالونات والاعلام والنخب العاطلة عن العمل.. بالكلام فقط.
الدستور