مدهش جدا ما يفعله وزير الشباب والرياضة الدكتور محمد نوح القضاة, العضو في حكومة عون الخصاونة, والوزير الذي اعيد احياء وزارة الشباب إكراما لخطابه الدعوي, الذي حافظ عليه وبقي داعيا مفوها في برنامجه التلفزيوني, بعد ان تسلم دفة القيادة في وزارة الشباب.
القضاة فاجأ المشاهدين مساء الثلاثاء الماضي عندما تبنى قضية المعلمين في كلمة ألقاها عبر التلفزيون الأردني, معلنا أن "مطالبهم سترفع مباشرة لجلالة الملك". وقام بانشاء صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان "إنصاف المعلم", حتى يستطيع المعلمون بثّ شكواهم عن طريقها.
أن يقف الوزير القضاة الى جانب المعلمين فهذا يسجل له, فمطالب المعلمين ليست عادلة فقط, بل ومستحقة على الدولة منذ عشرات السنين, فهذه الفئة التي نتغنى بها دائما, من اكثر فئات وقطاعات مجتمعنا ظلما, وهم الذين يصنعون المستقبل لاجيالنا, لكن أن يغرد الوزير خارج الموقف الحكومي المعلن, ويظهر كأنه المدافع عن حقوق المعلمين, فهذا في العرف السياسي تكسبا شعبيا, على حساب القضايا العادلة.
اذا كان الموقف الحكومي من قضية المعلمين لا تنسجم مع قناعات الوزير القضاة, فالاولى أن يرفض الوزير ذلك علنا في اجتماعات مجلس الوزراء, لا بل وتصل الشجاعة السياسية ان يستقيل من الحكومة ويعلن عدم انسجامه مع توجهاتها, لكن بعد ان تتخذ الحكومة قرارا فعليه ان يلتزم بهذا القرار, لا بل ويدافع عنه, التزاما بالمفهوم التضامني لعمل الحكومة, لان وزاراتها ليست جزرا منعزلة, كل يغني على ليلاه.
ليست المرة الاولى التي يتكسب فيها الوزير شعبيا وسياسيا, فقد كان موقفه من مقتل الشاب نجم العزايزة في الرمثا, مثار تساؤل, عندما ذهب بصفة شخصية الى بيت العزاء, ووعد ذويه بتوصيل مطالبهم للملك.
قصة امكانية توصيل القضايا للملك, يجب ان تنتهي من خطاب اي مسؤول, فهناك قنوات كثيرة مهمتها توصيل كل شيء للملك, وهذه القنوات تتحمل مسؤولية كيف تصل هذه المعلومات, اما ان يحاول المسؤول (اي مسؤول) اظهار ان خطوطه مفتوحة مع الملك, فهذه تضر الملك ولا تنفعه. ولا تختلف في سلبياتها عن إعلان "الضوء الاخضر من فوق" التي لا تزال موجودة في قاموسنا السياسي, ويتم استخدامها في اوقات وازمات كثيرة, وتروج في فترات الانتخابات بشكل عام, وتروج اكثر في الصفقات غير البريئة.
ثمة فرق بين المشاركة في تقديم الحلول الايجابية للحياة السياسية وبين "التكسب السياسي" عبر تسييس كل صغيرة وكبيرة في المجتمع, والتصيد للقضايا التي تعود بالمكاسب الشعبية, ومحاولة تجيير تلك القضايا لكسب الشهرة الشعبوية والانتخابية.
الوزير القضاة, شاب له حضور وكاريزما في العمل الدعوي, حتى شبه في فترة معينة, بالداعية المصري, الاكثر حضورا عربيا وإسلاميا, عمرو خالد, لكن هناك فرق كبير بين ان تكون داعية ناجح, ورجل سياسة مكان اختباره الفعل والموقف السياسي.
osama.rantesi@alarabalyawm.net
العرب اليوم