مع إنقلاب ما عُرف بثورة (يوليو عام 1952م) في مصر وتوالي الانقلابات العسكريّة بعدها في تونس عام 1957م، واليمن الشّمالي عام 1962م، وفي ليبيا عام 1969م، والعراق الذي شَهد ستّة انقلابات وصولًا لانقلاب حزب البعث عام 1968م، وسوريا التي شهدت تسعة انقلابات اخرها انقلاب «حافظ الأسد» عام 1970م ، يمكن القول ان المنطقة العربية شهدت ربيعا عربيا في تلك المرحلة قاد الى اسقاط عدد من انظمة الحكم في المنطقة.
وما بين سقوط نظام صدام حسين عام 2003 م الى عام 2012 م وبتتابع وتقارب زمني اكثر من الربيع العربي الاول دخلت المنطقة في ربيع عربي ثان سقطت خلاله نظم حكم عربية في عدد من الدول أبتداء من عام 2011 في تونس ومصر واليمن وليبيا وما زال الربيع الثاني يضرب في عدد آخرمن الدول.
وبمقارنة ما بين الربيعين
في الربيعين حتى اللحظة الراهنة فان الدول التي شهدت سقوط لنظم الحكم فيها تكاد تكون نفسها، مصر تونس العراق ليبيا اليمن وسوريا.
تداخل العوامل الداخلية والخارجية في الربيعين.
رفض شكل الحكم القائم، الربيع الأول عبر عن رفض الشعوب للهيمنة الاستعمارية والانظمة التابعة لها أو القريبة منها. والربيع الثاني عبر عن رفض الشعوب للنظام السياسي العربي الممتد من أواسط الخمسينيات الى عام 2011 والذي قام على أساس بناء مشروع السلطة وتغييب مشروع الدولة ، بكل ما يعنيه ذلك من ابعاد واختلاف شاسع.
الربيع الأول قام في مرحلة مد التيار اليساري وقام بدرجة أساسية على أفكار هذا التيار، وأفضى الى وصول نظم حكم ذات توجهات يسارية وقومية للحكم (إن جاز التعبير) او قريبة من هذه التوجهات في عدد من الدول. والربيع الثاني قام في مرحلة مد التيار الاسلامي وأفضى وما زال الى وصول التيارات الاسلامية الى الحكم في بعض دول الربيع وما زال المشهد مفتوحا.
في الربيع الاول غاب بعد وصول نظم حكم جديدة مشروع الدولة وحضر مشروع السلطة، التي تمركزت بالفرد القائد والفرد الملهم، وسخرت مؤسّسات الدّولة والجيوش والدساتير المؤقتّة والدائمة والمجالس التشريعيّة والبرلمانية والشعوب والدساتير والقوانين من أجل خدمة القائد ومشروع السلطة ، وإطالة أمد بقائها، وكانت القبضة الأمنيّة الصارمة والشديدة وخنق الحريات والمؤسسات والتفريط بكرامة الإنسان من أهم وسائل حمايتها، وعملت على ان يظل الانسان تابعًا ذليلاً وصاغرًا لها ومنفّذا لأوامرها وإراداتها وتوجهاتها ومتحمّلا لتبعات قراراتها ومغامراتها.
في الربيع الثاني هل يتحقق نفس المشهد بعد الوصول الى الحكم بحيث يستمر حضور مشروع السلطة وان بصور مختلفة ويستمر غياب مشروع الدولة. ما جري في مصر في الأيام الماضية وهي مؤشر أساسي في المنطقة يشير الى أنه من الحكمة أن لا نبالغ برفع سقف التوقعات بان حضور مشروع الدولة حتمي.
(الراي)