لماذا نفشل في إدارة أزماتنا؟
فهد الخيطان
07-02-2012 05:15 AM
تصاعدت، وعلى نحو لافت، حدة الاعتصامات والإضرابات في المملكة خلال الأيام الأخيرة، ووصلت ذروتها بإصرار المعلمين على الإضراب الشامل أمس، وإغلاق المحال التجارية أبوابها أول من أمس احتجاجا على قانون المالكين والمستأجرين؛ وتواصل إضراب قطاع النقل في أكثر من محافظة، ولم تتوقف اعتصامات موظفي القطاع العام والعمال في العاصمة ومدن عدة.
تؤشر كل تلك الشواهد على العودة القوية للحراك المطلبي، بعد أشهر من الحراك الشعبي المسيس، والذي بدأ في الأصل مطلبيا وها هو يعود لأصله.
وتعكس الحالة القائمة وجها من وجوه الأزمة الاقتصادية التي تطحن البلاد، وتنبئ بعام اقتصادي صعب يتحسب له الاقتصاديون والمواطنون.
لكن ما يثير القلق أكثر هو عجز الأطراف المعنية عن الوصول إلى تفاهمات وتسويات تجنب البلاد الخسائر المترتبة على الإضرابات والاعتصامات، وفشل أطراف النزاع الرسمية والأهلية في إدارة حوار منتج. لقد حصل ذلك مع المعلمين والتجار وغيرهم؛ ففي كل مرة يخوض المعنيون جولات حوار تنتهي دائما إلى الفشل.
الحكومة ليست هي المسؤولة عن فشل الحوار في كل الحالات، لكنها تتحمل النتائج بالضرورة.
المتابع للقاءات التي سبقت التصعيد يلاحظ أن السبب الرئيسي لفشل تلك الأطراف في الوصول إلى تسويات هو انعدام الثقة بالوعود الحكومية. لقد ظهر ذلك جليا في موقف المعلمين المتشكك بوعود الحكومة، رغم قرارها صرف علاوة المهنة كاملة.
الفشل لا يقتصر على حوار الحكومة مع الجهات الأهلية، وإنما يطال العلاقة مع "أبناء الحكومة"، وأعني موظفي القطاع العام، في مؤشر على المستوى الذي وصلت إليه أزمة الإدارة الحكومية التي تعاني من انقطاع الصلة بين مستويات القرار الإداري في الوزارات والمؤسسات الرسمية؛ فالأردن لم يعهد من قبل لجوء موظفي دائرة حكومية إلى نصب خيمة اعتصام أمام مؤسستهم للمطالبة بحقوقهم، ولم يكن لهؤلاء أن يقدموا على هذا العمل لو توفرت لهم وسائل بديلة لتحصيل حقوقهم.
إن الفشل في إدارة الأزمات أسوأ من الوقوع فيها. وفي السنوات الأخيرة، سجلت الإدارة الحكومية تراجعا ملحوظا في قدرتها على إدارة الأزمات بكل أشكالها. وفي أحيان كثيرة كان الأسلوب المتبع في إدارة المشاكل والأزمات يزيد من تفاقمها، ويولد احتقانات جديدة، كما حصل مع المعلمين في بداية حراكهم النقابي، ومع عمال المياومة أيضا.
والمشكلة منذ البداية أننا نفتقر إلى تصور شامل لما نريد تحقيقه من أهداف، ولا نملك خريطة طريق ولا آليات للتنفيذ على جميع المستويات؛ فوسط حالة الارتباك والتغيير المستمر في حلقات القرار وغياب أدوات المساءلة والشفافية، فقدت مؤسسات الدولة القدرة على التفكير بالمستقبل، وأصبح همها الأول والأخير معالجة المشاكل اليومية بالقطعة، وتأجيل المعضلات الكبرى.
ومثل دول عربية عديدة، وجد الأردن نفسه في مواجهة تحولات عميقة فرضتها ثورة الشعوب، تستدعي من الحكومات تطوير ديناميكيات جديدة للعمل لم تتعود عليها في السابق، وسرعة فائقة في الاستجابة لمتطلبات الإصلاح وتغيير المسار بشكل مفاجئ أحيانا. لكننا لم ننجح في رفع مستوى لياقتنا لمجاراة الأحداث، لا من حيث أساليب التفكير، ولا أدواته؛ فما نزال حتى الساعة نلهث خلف الشارع، والخشية من أن نضل الطريق ونسير في شارع آخر غير شارع الشعب.
عن الغد.