اعتزاز أبو عرب بدول وطنه العربي الكبير ، والممتد من الخليج إلى المحيط لا حدود له ، ويحرص على رفع عقيرته بالتغني بها صراخا ، وتهديدا بالويل والثبور ، وعظائم الأمور ، لكل من تسوّل له نفسه المس بهذا الوطن العظيم ، الذي يتوالى سقوط عواصمه ومدنه وقراه تباعا ، وضياع أراضيه وسلب ثرواته وموارده جهارا نهارا . ولا تحلوا الأغاني الوطنية لأبو عرب ، ولا تطيب إلا على وقع ضجيج الطبول ، والموسيقى الحماسية ، ومناظر الطائرات والدبابات والمدافع ، وهي تطلق نيرانها .
تكاد أغاني أبو عرب تحصر حب الوطن والوطنية بالاستعداد للموت دفاعا عنه ، رغم أن مظاهر الوطنية ومارستها لا تتوقف على الدفاع فقط ، بل تبدأ بالبناء والعطاء ، عدم التعدي على المال العام أو استباحته ، بل إن حمايته هي من ألف باء الوطنية ، عدم الرشوة وطنية ، عدم إزعاج الناس وطنية ، مكافحة المحسوبية والجهوية وطنية ، عدم تغييب النصاب في جلسات مجلس النواب وطنية ، الحض على العمل وطنية ، حماية آثار الوطن وتراثه وطنية ، دفع الضرائب وعدم التهرب منها وطنية ، الانتظار بالدور وطنية ، عدم سرقة التيار الكهربائي والماء وطنية .
منذ عدة عقود مضت أطلق الموسيقار الراحل فريد الأطرش أغنيته الشهيرة " بساط الريح " ورغم وجود الكثير من الراقصات اللائى رقصن على وقع موسيقى الأغنية كعادته في تلك الأيام ، إلا أنني أعتبر الأغنية قمة في الوطنية ، فقد تغنى الراحل بجمال البلاد العربية وبأنهارها وخضرتها ، ولم يفضل بلدا على آخر ، وتجرى الأغنية وهي تعرض مجسمات ترمز للبلاد العربية ، يحلق فوقها المطرب على بساط طائر ، دون صراخ ، ودون تهديد لأحد .
نعم لإنذار العدو - إن كان هناك من عدوّ - وتحذيره من مغبة الاعتداء على أرض الوطن ، لكن للوطنية وجوهاً أكثر أهمية من الوعيد والتهديد ، الوطنية هي ممارسة وتطبيق قبل أن تكون قصائد وغناء .
haniazizi@yahoo.com