كما جاءت في المحاضرة التي ألقاها دولة العين طاهر المصري في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية بتاريخ 2007-09-26 و كانت مقالته بعنوان الدولة الأردنية متصالحة مع نفسها في ما قامت به داخلياً وخارجياً و أي تراخ ٍ أو أي خلل يعيدنا إلى الوراء و قد حدد فيها مدرستين فكريتين هما :1.مدرسة تؤمن بالتوازن بين دور ومهام القطاع العام والخاص ، بحيث لا يطغى احدهما على الآخر ،ونظرة هذه المدرسة تعتمد أيضاَ على الاعتراف بالمفهوم الإنساني لمهام الدولة وعلى سيادة القانون وأن الدستور يجب أن يطبق نصاً وروحاً .
2.المدرسة الفكرية الأخرى ، ومعظم مريديها من الجيل الجديد والمتأثرين بالنظريات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في الغرب ، تريد احداث التغيير في المجتمع والإدارة الأردنية بمنهجية مختلفة ، ويريدون تطبيق معايير مختلفة إلى حد ما في تلك الجوانب من حياة المجتمع الأردني .
و لنستعرض هذه المدرسة بشيء من التفصيل ( رقم 2 )
يقول ماركس " طرح السؤال الصحيح هو نصف الجواب "
و ما جاء عن هذه المدرسة حسب المحاضرة
1.يريدون تقليص دور الدولة تدريجيا بإدارة شؤون الناس.
2.يرغبون بأن تحدد عوامل السوق توجهات و حاجات المجتمع .
3.ترك الفرصة للمجتمع نفسه بان يعدل الخلل الاجتماعي !!!! .
4.يريدون التغيير بشكل واضح و أسرع .
و حذر دولة العين بان أي تراخ سوف يعيدنا للوراء و قد تسبب في صراعات و انهيارات في المجتمع الأردني!!!!
كما دعا إلى المحافظة على ذلك حتى يتمتع أبناؤنا بالمزايا و الظروف التي تمتعنا بها !!!
إن هذه المدرسة الفكرية هي امتداد لليبرالية الرأسمالية الغربية و ينادي أصحاب هذا المذهب بالحرية المطلقة و التعددية الأيدولوجية و التنظيمية الحزبية و تقوم على حرية الأفراد و حرية السلوك ... ، و غاياتها البحث عن الربح بشتى الطرق و الأساليب إلا ما تمنعه الدول كالمخدرات...
و أن كل فرد فيها له الحرية المطلقة للقيام بما يشاء للحصول على الثروة و تنميتها و التصرف بها دون قيد .
المدرسة الفكرية المذكورة و نظرية فرنسيس فوكوياما 1989
جاءت نظريته المتمثلة " بأن انتصار الرأسمالية يعني ( نهاية التاريخ ).
و أن قيمة الإنسان مستمدة مما يملكه و بالتالي فان فقدان الملكية يعني انعدام قيمة مالكها ، و بناءاً عليه فان المجتمعات إما أن تأكل و إما أن تؤكل ، و راح الرأسماليون يزدادون ثراءً و الفقراء يزدادون فقراً و أخذت المنافسة غير المتكافئة بين الحيتان و الأسماك الصغيرة تطحن الناس و المجتمعات طحناً، مدمرةً البنى الاجتماعية و التماسك الاجتماعي و باتت معها الطبقة المتوسطة في تضاؤل مستمر"
لماذا يريدون تقليص دور الدولة؟
النظام الرأسمالي يمنع الدولة من التدخل في النشاط الاقتصادي للأفراد لكي لا تتعرض حريتهم المطلقة للانتقاص ، و يقتصر دور الدولة على حراسة حريات الأفراد و مصالحهم الاقتصادية إضافة إلى تحمل الخدمات العامة التي يعزفون عنها بسبب عدم إثمارها للربح و هذا يعني أنهم يريدون الدولة مسخرة لخدمتهم بشكل مباشر أو غير مباشر ،كما يدعون لغلبة الاقتصادي على السياسي في المنظومة الفكرية و هذا يدعى بالاستلاب السياسي (Political Alienation) ، و النسبة العالية من الفقراء محرومون من المجالس السياسية و الأثرياء من هذه الطبقة يشكلون نسبة ضئيلة لا يستطيع هذا الجزء من الانفراد في قيادة الدولة و توفير القوة و المنعة لها بعكس الحال للطبقة الواسعة من الجنود و العمال و الزراع ....
كما يريدون غلبة الكمي على الكيفي و القياسي على التحليلي و محاولة ضبط المفاهيم معيارياً ، و تحييد الدولة و انسحابها من الساحة الخدمية و الاجتماعية غير مدركين فداحة الثمن الإنساني و الاجتماعي و ما ينشأ عنه من فك الارتباط بين المواطنة و الدولة من ناحية و ربما فك الارتباط بين المواطنة و الليبرالية ذاتها و العداء بينهما على المدى البعيد !!!
و المواطنة هي مبدأ أساسي لقيام الدولة فالوطن للجميع بغض النظر عن المنبت الاجتماعي و الاختلاف و التنوع بين أفراده ، العدالة و المساواة بين أبناء الوطن الواحد في ظل سيادة القانون هي من أهم الروابط التي تحقق وحدة المجتمع و قوته فأكثر الأشياء أهمية في سياسة الدولة في سريان قوانينها بدرجة واحدة على كل المواطنين دون تفريق بينهم حسب قول (فرنسيس مراش) ، و ينبغي التعامل مع المجتمع بشكل متكافئ حتى لا ينتهك النظام و القانون .
ظاهرة حدثت عندما استطاع المتنفذون الأثرياء من إلغاء وزارة التعليم العالي و بالتالي سن قوانين تخدم مصالحهم كون الدولة كانت معارضة أو متحفظة عليهم مما نتج عنه ازدياد عدد الجامعات الخاصة بجانب الجامعات الحكومية و التي منها تحت التأسيس إذ بلغت 25 جامعة لبلد عدد سكانه يقارب 6 ملايين نسمه و ترافق مع بيع الملكية العامة ( الخصخصة ) لمراكز حساسة في الدولة ذات ربحية عالية بحجة الخروج من الأزمة الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي و إعادة الهيكلة و مشاركة هذه الطبقة بهذه العملية بفعالية عالية .
ما يريدونه من المجتمع:
1. هذه الطبقة تريد نقل فكر الغرب الذي هو غريب على الثقافة الموروثة و يزاحمها مما يسبب نوعاً من ازدواجية الولاء بين الموروث و الوافد و خلق صراع بين الثقافتين و شق المجتمع الى نصفين.
2. الانفصال عن التراث القديم الذي يحاولون تحويله إلى ثقافة شعبية موروثة و العزلة عن الجماهير و الترفع عنها و مخاطبتها بلغة لا تفهمها و التحول إلى نخبة برجوازية مثقفة تسعى لمراكز قيادية فاعلة .
3. الترويج للعلمانية الغربية و فصل الدين عن الدولة على الطريقة الغربية و إغفال خصوصية الثقافات و المجتمعات و ما هو حلال و ما هو حرام كما في الشريعة الإسلامية .
4. يريدون المجتمع مجتمعا استهلاكياً و أن تحدد عوامل السوق توجهاتهم و من ثم الاحتكار و التلاعب بالمواد و الأسعار و حسب هذه المعطيات فان بعض المواد الفاسدة و الغير صالحة تدخل إلى السوق بطرق شتى و على سبيل المثال باخرة الأرز التايلندي الغير مطابق للمواصفات و الذي حاولوا إدخاله إلى السوق و لكن وزارة الصناعة و التجارة منعتهم من ذلك .
5. التنمية الشاملة التي يروجون لها ، كيف ستتم ؟
هل يُنتظر من هؤلاء الحيتان أن يقوموا مكان الدولة بتعبيد الطرق و إنشاء الجسور ، أم تنمية الريف و البادية و ردم الهوة بين سكان عمان و باقي الأقاليم .
" تفاجئ المواطنون في محافظة الطفيلة عندما أغلقت الثلوج الطرقات في العاصفة الثلجية بعدم خروج آليات شركة الإسمنت لفتح الطرق عكس ما اعتادوا عليه حيث تكون آليات الشركة على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة " و هذه ظاهرة سلبية من ظواهر الخصخصة .
ماذا يريدون ؟
الغاية عندهم تبرر الوسيلة أليست قصورهم من أفخم القصور و سياراتهم الفارهه تضاهي سيارات دول الخليج و حساباتهم البنكية داخليا و خارجياً بالملايين !!!!
أما المدرسة رقم 1 و التي تؤمن بالتوازن بين دور ومهام القطاع العام والخاص ، بحيث لا يطغى احدهما على الآخر ،ونظرة هذه المدرسة تعتمد أيضاَ على الاعتراف بالمفهوم الإنساني لمهام الدولة وعلى سيادة القانون وأن الدستور يجب أن يطبق نصاً وروحاً .
و أتباع هذه المدرسة يعتبرون الدولة مظلة واقية لجميع أفراد الشعب بأنظمتها و تشريعاتها و هي الحامية للوطن و المواطنين و هم يتخوفون من شر هذه الطبقة البرجوازية التي لا تفكر إلا بجمع المال حلاله و حرامه .
المفترض أن يتساوى الغني و الفقير بالحقوق و الواجبات و أن لا يعاب على الفقير فقره و من الجدير بالذكر أن اوناسيس دخل موسوعة غينس كونه من أصحاب الملايين و توفي منذ ثلث قرن و قد أكلت دابة الأرض منسأته و ما عادت تنفعه ملايينه و لحق بركب قارون و هامان .
نحن شعب موروثنا إسلامي و قيادتنا هاشمية ، و نظرة حضارتنا إلى المال قد أوضحها لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ? الذي تبرع بنصف ماله و قال " إني لا أجد هذا المال يصلحه إلا ثلاث أن يأخذ بالحق و يعطى بالحق و يمنع من الباطل ".
و قالت العرب عند جهينة الخبر اليقين و ما عاداه باطل الأباطيل و قبض الريح............
dr.roud@yahoo.com