الكونغرس الاميركي .. وتقسيم العراق .. !
أ.د.فيصل الرفوع
01-10-2007 03:00 AM
شكل قرار الكونغرس الاميركي يوم الثلاثاء الموافق 25/9/2007 والقاضي بتقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم متحدة فدرالياً، واحد للشيعة في الجنوب والثاني للسنة في الوسط والغرب والثالث للاكراد في الشمال، صدمة كبيرة للعرب بشكل عام وللعراقيين بشكل خاص، حيث تم رفضه بشكل مطلق من كافة العراقيين، باستثناء الاكراد الذين لاذوا بالصمت. ولم يقتصر التصدي لهذا المشروع الخطير على العرب وحدهم بل اعربت معظم القوى الاقليمية والدولية عن رفضها لهذا المشروع المدمر للامن والاستقرار الاقليمي بما فيها الادارة الاميركية نفسها، عرابة احتلال العراق وتدميره وانتزاع جذور حضارته وتاريخه. ولم يشذ عن ذلك الا الدولة العبرية، لان مصلحتها تكمن في عراق ممزق وغير مستقر ويفتقد للعب اي دور اقليمي، خاصة ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي ومستقبله. لقد جاء هذا القرار ليؤكد على تقسيم أو تجزئة أو إعادة هيكلة العراق بناء على أقاليم طائفية أو عرقية ، مع العلم ان معظم توجهات الرأي العام العالمي، وعلى راسها الاميركي ترى في تقسيم العراق حالة لا تخدم الاستقرار الإقليمي أو الدولي، وقطعا لا يلتقي مع مصالح الولايات المتحدة.لقد جاء هذا القرار بعد اكثر من اربع سنوات من الاحتلال الأميركي للعراق، وبعد إلغاء الدولة العراقية ، بتراثها وجيشها وإدارتها، وبجرة قلم من لدن المفكر الاستراتيجي العظيم بريمر!!!، والذي لم يوجه طعنة للعراق وشعبه ودوره ومن ورائه الأمة العربية فحسب، بل أتى على ما بقي من المعاني السامية التي جاء بها جورج واشنطن ذات يوم، وانهي أسطورة الديمقراطية والحرية التي يجسدها تمثال الحرية في نيويورك، لأن فعلة بريمر هذه تجاوزت كل القيم والمعايير الدولية، فيما يتعلق بقوانين الحرب وحقوق الشعوب المقهورة ، وواجبات الدولة المحتلة، بل وقبل هذا وذاك ضرب بعرض الحائط بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية.
إن مصلحة الولايات المتحدة تكمن في عراق مستقر ديمقراطي، بعيد عن الاحتراب الداخلي والفوضى وغياب المؤسسية، له دوره الفاعل في التوازن الاستراتيجي مع قوى الجوار وأجنداتها والتي لا يخفى على الولايات المتحدة مدى اطماعها التوسعية في العراق والوطن العربي. وإذا كان الهدف من وراء الحرب على العراق، إسقاط النظام العراقي السابق، فقد تم تحجيمه وتطويعه، منذ أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها في ذلك اليوم الشباطي من عام 1991، وفي الخيمة الصفوانية على الحدود العراقية -الكويتية. كما ساهمت الثلاثة عشر عاما من الحصار والتجويع للشعب العراقي وامتهان كرامته، التي سبقت الاحتلال في 2003 ، حيث راح ضحيتها أكثر من مليون طفل عراقي، باعتراف اولبرايت وزيرة الخارجية الاميركية في عهد الرئيس ببل كلينتون، ساهمت سنوات الحصار هذه في إمكانية التعامل مع العراق واحتوائه وعلى الطريقة الأميركية. إلا أن قرار احتلال العراق وتدميره، جاء في لحظة غياب مطبق للجانب العقلاني في الإستراتيجية الأميركية ومصالحها الحيوية، والتي تقتضي الاحتواء لا التدمير وحقن الدماء لا سفكها. فقد أشارت وسائل الإعلام الأميركية الى مقتل أكثر من 750 ألف مواطن عراقي منذ الاحتلال وحتى بداية ايلول - سبتمبر 2007، هذا الرقم من الضحايا الأبرياء مثال واضح على خطورة السياسة الاميركية في العراق.
وبالرغم من ادراكنا الاكيد بان الهدف من احتلال العراق هو انهاء دوره، وربما تقسيمه، الا اننا معشر العرب، خاصة نحن المؤمنين بالسلام العادل والشامل للصراع العربي الإسرائيلي، وبلغة الحوار وعقلانية التفاعل بين الحضارات المختلفة، لم نكن نتوقع ان يصدر قرار خطير ومن الكونغرس الاميركي، والذي يعتبر راعي الديمقراطية والسلام العالمي، يصدر قرار يمس سيادة شعب ووجود دولة، بل ليس له الحق في اصدار مثل كهذا قرار.
نأمل من الادارة الاميركية أن تخلص إلى التكفير عما تم فعله بالعراق، وإعادته موحداً قوياً بجيشه وإدارته السابقين، والبعيد عن الطائفية البغيضة، حتى يستطيع أن يكون سياجا منيعا ورادعا استراتيجيا لكل التوجهات التي تهدف إلى الإخلال بموازين القوى في الشرق الأوسط. كما نتمنى على الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن يسمع لمستشاريه العقلانيين وأصدقائه المخلصين فيما يتعلق بالعراق ودوره ومستقبله، وان تكون هذه الإستراتيجية بداية صحوة لضمير غاب في لحظة نشوة القوة.
alrfouh@hotmail.com