بتكليف من جلالة الملك أسهمت نخبة العقول الأردنية في مختلف الاختصاصات في صياغة أجندة وطنية شاملة لجميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لجان فرعية وأخرى عامة، وآلاف ساعات العمل والنقاش، والنتيجة خروج أجندة وطنية، باركها جلالة الملك، واعتبرت، في أقصى الحدود، ملزمة أدبياً للحكومات المتعاقبة، في أدنى الحدود دليلاً تستنير به تلك الحكومات. وكان المفروض أن الأجندة الوطنية تقـدم جدول أعمال وبرنامج عمل للسنوات العشـر المقبلـة.الأجندة تعاملت مع قضايا خلافية، وحاولت حسمها بالحوار على أسس ديمقراطية. ومن الطبيعي أن لا تحظى الحلول بالإجماع، ففي المجتمع الأردني وجهات نظر متباينة ومتعـددة ومصالح متعارضة، ولكنها بشكل عام كانت بمثابة البوصلة التي تحدد الاتجاه التوافقي.
لأمر ما لم تصمد الأجندة لشـهر واحد، بل اختفـت أو وضعت على الرف من اليوم الأول اكتفاء من الحكومة بالتزام شـفهي ليست له ترجمة على أرض الواقع. وهو أمر مفهوم ومقبول إذا كان لدى الحكومات بدائل أفضل مما جاءت به الأجندة.
ربما لا يجب أن نلوم الحكومة التي حاولت تطبيـق بعض توصيـات (حتى لا تكون قرارات) الأجندة الوطنية ولكنها اصطدمت بمقاومة عنيفـة من الجهات التي تمس تلك التوصيات مصالحها الذاتيـة.
الأجندة أوصت بإلغاء جميع أشـكال الدعـم تدريجياً، وعندما حاولت الحكومة ذلك لم تستطع لأسباب معروفـة.
والاجندة أوصت بتعديل قانون الانتخـاب بإعطاء الناخب صوتيـن، واحد محلـي وآخر وطنـي، وقد وضع الاقتراح على الطاولـة ثم صرف النظر عنه.
والأجندة أوصت بإلغاء المجلس الأعلى للإعلام، وإيجاد مظلة تنفيذيـة لأجهزة الإعلام الرسمية، وإلغاء الإلزامية في نقابـة الصحفيين، ولم يحصل شيء من هذا القبيـل.
والأجندة رسمت سـيناريو واضحاً للموازنة العامة من شـأنه التخلص من العجـز خلال سـبع سنوات، والوصول إلى حالة التـوازن حتى بدون المنح الخارجية خلال 12 سنة، ولكن راسمي الموازنات لم يأخذوا بهذا السيناريو.
كان المأمول أن تخـدم الأجندة كمصدر لشرعية القرارات كما خدم برنامج التصحيح الاقتصادي في تمرير أصعب القرارات، وربما لم يفت الوقت، فالأجندة ما زالت موجودة بانتظار من ينفـخ فيها الحياة.