كيف يتم اختيار القيادات الأكاديمية؟
د.نضال يونس
03-02-2012 03:02 AM
ما دمنا في مرحلة الاصطلاح و التغيير ، فإن هناك أولوية لا بد للدولة أن تعطيها كل اهتمام جاد وهي أعادة النظر في الأسس والمعايير التي يتم من خلالا لها اختيار القيادات الأكاديمية في الجامعات الأردنية ، وأن نخرج من مرحلة النقد و التجريح لمسيرة التعليم العالي إلى مرحلة إنقاذ حقيقية وفق أسس ومعايير جديدة تعيد وضع الامور في نصابها الصحيح.
فهناك العديد من المواقع القيادية في الجامعات الحكومية تنتظر تعبئة الشواغر أو التغيير بحكم انتهاء مدتها أو فشلها في إدارة العملية الأكاديمية، أو عدم ملائمتها لطبيعة الظروف و المتغيرات التي تمر بها البلاد. فالجامعات الحكومية التي لعبت و ما تزال دورا مهما في بناء المجتمع الأردني، تراجعت بعض الشيء خلال العقدين الماضيين ووصلت إلى درجة أصبح من الضروري التدخل لمساعدتها، حيث لا يزال هناك فرصة كبيرة للبناء على ما لديها من سمعة ورصيد وما فيها من كفاءات تستحق التقدير، ومشاكل هذه المؤسسات الأكاديمية معروفة للجميع ،و المطلوب الآن المبادرة و بشكل مستعجل للإصلاح، و كل ما يحتاجه أى مسئول جاد هو أن يصغي لأعضاء هيئة التدريس، و إلى العاملين في هذه الجامعات، ليتعرف على طبيعة المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم العالي والحلول المقترحة على قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها.
هناك جانب بمنتهى الأهمية يتعلق بما نريد من التعليم الجامعي وما هي بوصلته المهنية و البحثية ودوره في قيادة المجتمع ومن هي الجهة التي تتحكم بإدارته؟، وهذه أسئلة لا غنى عن إجاباتها إذا أردنا إنقاذ التعليم العالي ، و توجيهه بالشكل الصحيح ، لأن كل الجهات الرسمية و الأمنية و العشائرية وحتى الحزبية تؤثر في إدارة الجامعات فضلا عن وزارة التعليم العالي و هيئة الاعتماد ومجالس الأمناء ، والكل يتدخل و يضغط و يتهم و يدعم ويعترض و يتدخل في تفاصيل العملية الأكاديمية . كل طرف يريد توظيف نفوذه و صلاحياته بما يخدم مصالحه الشخصية، مجلس التعليم العالي يبالغ في قراراته وفى تدخلاته في عمل الجامعات ، والجامعات تسعى نحو الاستقلالية و الابتعاد عن وزارة التعليم العالي، ومجالس الأمناء و التي من المفترض أن تقوم بوضع السياسات العامة و مراقبة عمل الجامعات وتوجيه المسار ،تتخذ قراراتها بما تمليه عليها أجندتها الخاصة ، و هيئة الاعتماد تناور في اعتماد البرامج الأكاديمية أو التهديد بسحب الاعتماد من برامج معينة دون غيرها..
مشكلة التعليم العالي ليست في الكفاءات أو القيادات الأكاديمية، فهناك العديد من الذين تتوفر لديهم القدرات على قيادة هذه المؤسسات العريقة ،التي كانت وما زالت مزوداً رئيساً لكثير من الجامعات العربية ، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب القناعة بأن مؤسسات التعليم العالي في الأردن بحاجة إلى مراجعة وإنقاذ و ان تلك المؤسسات تستطيع إفراز قياداتها إن هي أعطيت الفرصة لذلك ،بدلا من الاستمرار في التعامل معها ما يزال قائم على أنها مواقع سياسية أو سيادية يجري منحها أو أخذها من أشخاص وفق أسس ومعايير لا تخدم تطوير العمل الأكاديمي أو النهوض به للأمام ،وأنا أتحدث عن كافة المواقع القيادية في مؤسسات التعليم العالي ابتداء من رئاسة مجلس الأمناء ورؤساء الجامعات وتعيين نواب الرئيس وعمداء الكليات.
خذ مثلا القوانين المنظمة للتعليم العالي و الجامعات التي يتم تغيرها وفقا لرغبات وزراء التعليم العالي ، فخلال الفترة الممتدة من عام 2008-2010 تغيرت أو عدلت القوانين المنظمة للتعليم العالي ثلاث مرات لتترك هذا القطاع في حالة من الارتباك وعدم الاستقرار وذالك بسب الصراع الخفي بين القائمين على مرجعيات التعليم العالي في الأردن من وزارة التعليم العالي وجامعات رسمية وخاصة وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي.
خذ أيضا طريقة اختيار رؤساء و أعضاء مجالس الأمناء وهي جزء من المشكلة ، حيث ما تزال عملية اختيار مجالس الأمناء تخضع لحسابات و معادلات يتحكم بها وزراء التعليم العالي ومجموعات الضغط الخارجي، والتي غالبا ما تنتهي إلى محسوبيات و شلليات لا تخدم العمل الأكاديمي ولا تسهم في تطوير الجامعات.
أما عن العمداء و نواب الرئيس والكيفية التي يختارون بها، وما هي مؤهلاتهم الفكرية و الإدارية، وبرامجهم للنهوض بكلياتهم، فذلك أمر يترك لرؤساء الجامعات الذين تتجاذبهم الأهواء والضغوطات والمحسوبيات و التوازنات و الكوتات، وكأننا بصدد الحديث عن بلديات وليس جامعات أو مؤسسات أكاديمية !!
من يطلع على تجارب الجامعات العريقة في اختيارها للقيادات الأكاديمية، سيجد أن معظمها يقوم على الانتخاب ،ومن أفضل من المؤسسات الأكاديمية لترسيخ ثقافة الانتخاب و إفراز الأصلح في المجتمع بدلا من الركون إلى الشللية و المحسوبية والصراع الخفي على كراسي القيادة الأكاديمية ، بحيث تشكل الجامعات لجان مختصة للنظر في الطلبات المقدمة للمواقع القيادية من رئيس و نائب رئيس و عمداء كليات وحتى رؤساء الأقسام، بحيث يتم التوصية بعدد من الأسماء بناء على المقابلات الشخصية و السير الذاتية و من ثم يقوم المجتمع الجامعي بانتخاب الرجل المناسب لتلك المواقع القيادية مما يضمن وصول ذوى الكفاءة و القدرة والأهلية لمثل هذه المواقع القيادية..
أما المشكلة الأخرى فتتعلق بالبنية التحتية التي أصبحت اليوم خارج التاريخ ، الجميع يشكو من عدم مواكبة البنى التحتية للجامعات للتطورات المتسارعة في عالم البحث والتدريس، و استخدام التقنيات الحديثة في التعليم الالكتروني ، فالقاعات التدريسية و المختبرات البحثية اليوم عفا عليها الزمان وهي بحاجة ماسة إلى تجديد وترميم بما يتناسب مع روح العصر الذي نعيش فيه و عندما تستمع إلى الطلبة والمحاضرين تستطيع معرفة حجم المعاناة في هذا المجال مما يجعل العملية التعليمية تفقد بريقها ، و لحل هذه المعضلة لا بد من توفير المال اللازم إما عن طريق الدعم الحكومي أو التوسع في القبولات الجامعية، وأنا هنا اقترح على الجامعات الأردنية أن تستثمر في سمعتها و عراقتها في زيادة عدد المقبولين في التخصصات المطلوبة و المجدية اقتصاديا.
السؤال الملح: هل نريد إنقاذ مسيرة التعليم العالي ووضعها على الطريق الصحيح أم لا ؟ فإذا كان الجواب ايجابياً فالحلول ليست صعبة و الجامعات الأردنية تزخر بالمفكرين الذين يمكن أن يسهموا في معالجة هذا الخلل بعيدا عن الإدارة السياسية للتعليم العالي التي هي أساس المشكلة، ولهذا فان جزء من الحل يقتضي تغيير الأسلوب التقليدي في التعامل مع قطاع التعليم العالي ليخرج من المسار السياسي غير المستقر إلى حالة آمنة تجعل اختيار القيادات الأكاديمية تتم وفق معايير مناسبة تعطيها فرصة للعمل و الانجاز..
niyounes@ju.edu.j