الحكومة .. والإصلاح .. والمواطن
أ.د. يوسف الجعافرة
01-02-2012 05:11 PM
أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن الشعب ألأردني يستحق من الجميع الوضوح والصراحة والشفافية والمكاشفة حول كل القضايا والتساؤلات وعلى العمل الجاد لتحقيق العدالة للجميع ومكافحة الفساد. وأشار جلالته إلى أن \'المواطن تعب من الكلام والشعارات والوعود ويريد أن يتأكد أن حقوقه محفوظة، وأن علاقة المواطن بمؤسسات الدولة قائمة على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص\'، لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية. كذلك تعهد رئيس الحكومة بالمتابعة، وتفعيل القوانين الموجودة، والتعديل عليها، وتعزيز قدرات المؤسسات المعنية، لتكون هذه بداية جدية للعمل على استعادة ثقة ألأردنيين.
محاربة الفساد عملية صعبة، ومعقّدة، ولكنها ليست مستحيلة، وإذا تحققت الإرادة السياسية على كلّ المستويات نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، ولكن كما عوّدتنا التجارب مع الحكومات السابقة فلن نُبالغ في التفاؤل، ولن نبني حجم توقعات ضخمة، ولكننا ندعوّ للمرجعية الأخلاقية العامة التي قد تشّكل موثوقية عند ألأردنيين ؟؟؟.
منذُ بداية الحراك الشعبي تشّكلت قناعة لدى مؤسسات القرار مؤداها أن المشكلة الرئيسية للنظام هي مع القاعدة التقليدية للحكم والمتمثلة بأبناء العشائر والبادية والمحافظات الجنوبية, إلى جانب المتقاعدين العسكريين. وعلى هذا الأساس اتجهت السياسة الرسمية إلى العمل على إرضاء تلك الأوساط في محاولة لاحتواء حالة الاحتقان لديها واستدراك الانهيار الحاصل في الثقة بالدولة. وقد تجلت نزعة الاسترضاء العشائري والمناطقي التي برزت ملامحها عبر عملية واسعة لإعادة توزيع المناصب العليا لتشمل أوسع قاعدة ممكنة من الفئات المستهدفة!!!. أنني أدعو من هذا المنبر لإنتاج حالة سياسية جديدة كفيلة بخّلق تفاعلات تعيد الحيوية للمشهد السياسي الأردني الذي عاني في السنوات الماضية من جمود وسّع الهوة بين القاعدة الشعبية والطبقة السياسية.
التصريحات الملكية الشفافة أشعلت جدلاً شعبياً، سياسياً ونخبوياً لن يهدأ من دون استعادة ما يعتبرها رجل الشارع أموالا نُهبت من الخزينة العامة بعد أن تلاعب مسئولون بمقدرات الدولة، وساهمّوا في تردي أوضاع الشعب المعيشية لمصلحة فئة قليلة مستفيدة. فلا يجوز أن ندفع من استقرار الدولة أو ثبات مؤســساتها ثمناً لحماية أي شخص عاث في الأرض فساداً ، وبالوقت ذاته من يطالب بالحرب على الفساد فعليه أن يقبل بأن القضاء هو الفيّصل.
يؤمل بأن تشكل التصريحات الملكية بداية لوقف تراجع هيبة الدولة، ولكن لا بد من أن يكون ذلك ضمن استراتيجيه قائمة على تنفيذ إصلاحات سياسية حقيقية. فالمأمول من دولة رئيس الوزراء والوزراء الموقرون أن ينطلقوا للميدان، ويحاورا الشباب الذين عانوا تهميش الحكومات المتعاقبة، وكسب ثقتهم من جديد، وإعادة توظيف طاقاتهم في سبيل بناء الوطن. فالشباب يريدون من المجتمع أن يعترف بخصوصيتهم ويوّفر لهم إمكانيات التعبير عن أفكارهم دون خوف أو خنوع في ظل الجهود المبذولة لمكافحة الفساد الذي يؤثر سلبا على مستقبلهم ويعيق المنافسة الشريفة العادلة ....وعليه لا بد من خلق نشاطات ذات فائدة تجمع الشباب على التلاقي والحوار ... وتقبّل الآخر ... وطرح الأفكار بحرية وتوظيف حناجر الشباب الرافضة للفساد وأوكاره ،وتطوير سلوكهم السياسي ووعّيهم بعيداً عن العنف والتقليد وجعل حراكهم ناضجاً وواضحاً في معالمه لينتقل من الحالة الشــعاراتية إلى الحالةالتنفيذيــة.
هؤلاء الشباب لم يلجئوا إلى الشارع في حراكهم إلا بعد أن صمّت الحكومات آذانها عن الاستماع لمطالبهم، لقد فقدوا الثقة بالدولة، وبقدرتها على صون حقوقهم، فأصبحوا يثورون في أقل موقف، ويفرضون منطق العنف فوق أي حوار. فبناء جسور الثقة بين المواطن والمسئول، وبين المواطن والدولة أصعب بكثير من هدمها، لكّن الفارس هو من يتحمل المسؤولية ويصل ما قطعه الآخرون.
دولة الرئيس ..... اليوم أشعر شخصياً ببداية للتفاؤل ، وأتمنى أن تعمل بقوة ليبرز على المسرح نخبة جديدة من رجال الدولة الشرفاء الذين تم استهدافهم واستبعادهم وحرمانهم من المواقع القيادية المتقدمة في العهود السابقة لأنهم رجال ثقاة يقضون بالحق حتى لو على أنفســهم ، جُبلوا على حب الله والوطن والإخلاص للملك ...
الوقت لم يفت بعد.....وأبناء الوطن يريدون أن يروا نتائج ملموسة على الأرض تلبّي طموحاتهم وتعالج مشاكلهم دونما تأجيل أو إبطاء أو مماطلة . فقد عانينا طويلا من تلكؤ بعض الحكومات وبطء استجابتها للتحديات وضاعت على الوطن فرص عديدة جراء المماطلة والتسويف وترحيل المشاكل . فكُلنا نريد أردناً قوياً منيعاً ، ولنتذكر دائما أن الهـدف الرئيســي (للإصلاح) هو تعميق سيادة القانون والاحتكام إلى مؤسســـات الدولة.
بالختام ....أتمنى ألا تجعلوا المواطن يلاحق الوهم حين بعد حين حتى يهرم ...؟؟؟؟؟!!!!!!
نائب رئيس جامعة الإسراء