المرحلة تحتاج تجديد النهج
د. اسامة تليلان
01-02-2012 12:29 PM
أدى ضعف أداء السلطة التشريعية كواحدة من أهم عناصر النظام السياسي الى إدخال النظام السياسي في أزمة عميقة أسست لأول مرة الى تراجع عامل الثقة باداء سلطاته وفي مقدمتها السلطة التشريعية. وقد فسرت أسباب الضعف في كل مرة بطريقة إختيار النواب من قبل القواعد الإنتخابية، وتم التسويق لذلك مراراً وتكراراً، والواقع أن لا هذا ولا ذاك تعتبر من الأسباب الحقيقية، فقد أضعفت السلطة التشريعية عبر عدة عوامل واحد منها تمثل بحرمان السلطة التشريعية بفعل قوانين الانتخاب من واحد من أهم مصادر قوتها وهي الاستناد إلى تعددية حزبية وسياسية.
فقانون الانتخاب ما زال يعتمد ويستند على الهياكل الاجتماعية التقليدية (مؤسسة العشيرة والعائلة وغيرها من المؤسسات الإرثية ) التي لا يمكن ان تؤدي وحدها إلى تقوية السلطة التشريعية أو الديمقراطية أو المجتمع المدني الديمقراطي، فبإستثناء إختيار مرشحيها للإنتخابات والتصويت لهم، فإن هذه الهياكل، لا تملك وظائف حقيقية كالأحزاب في إطار العملية السياسية والتشريعية، كما أن المرشحين بعد فوزهم يمارسون أدوارهم بفردية وبدون أي ضوابط مؤسسية على أدائهم، ويجدون أنفسهم بدون أي إسناد أو غطاء سياسي يقوي مكانتهم في مواجهة السلطة التنفيذية. وبنفس الوقت حماية السلطة التنفيذية من ضغوطات النواب الفردية مقابل مواقفهم مع الحكومات. على عكس الوظائف التي تقوم بها الأحزاب السياسية في تقوية الحياة النيابية التي لا تنتهي مهمتها عند اختيار المرشحين للبرلمان والتصويت، وإنما أيضا مراقبة أداء أعضائها في البرلمان ومحاسبتهم، وتقوية مكانتهم، وبالتالي مكانة البرلمان.
لقد أدى ذلك، أولاً إلى إضعاف أعضاء البرلمان أمام السلطة التنفيذية. وثانياً بروز النزعة الفردية في الغالب على الأداء والبحث عن تحقيق المصالح الفردية على حساب الوظائف الأساسية في الرقابة والتشريع، والحد من الخبرة التراكمية لبعض النواب، خصوصا أن الإجماعات العشائرية في اختيار مرشيحها تقوم على التوافق وبالتالي لا تعطي المرشح في أغلب الاحيان أكثر من دورة واحدة، وذلك للحفاظ على توافقها. ورابعا، عدم وجود كتل برلمانية مستقرة تثري دور البرلمان الرقابي والتشريعي، وخامسا،غياب الرقابة على اداء النواب من قبل أحزابهم ومن قبل الأحزاب الأخرى في إطار عملية تنافسها على كسب الأصوات.
كل ذلك وغيره، قاد إلى إضعاف السلطة التشريعية، وأضعف أحد أهم أذرع النظام السياسي التمثيلية لمبدأ ان الشعب مصدر السلطات، وأحد أهم آلياته في الرقابة والتشريع والمساءلة والمحاسبة، وهذه الجزئية أساسية في تحقيق درجة مقبولة من الرضا العام عن النظام السياسي، ودرجة أساسية في إكساب النظام القدرة التمثيلية لمطالب وتطلعات المواطنين والقدرة الإستيعابية للفئات الجديدة الصاعدة.
لقد أظهرت الشهور السابقة، ان تزعزع الثقة بقدرة مؤسسات الفعل السياسي (البرلمان والأحزاب)، أدى إلى خروج الناس إلى الشوارع عبر إنتشار عشوائي للحركات المطالبة بالإصلاح خارج نطاق أي قواعد يمكن ان تضبط هذه العملية، ومن غير المتوقع أن يتم إستيعاب واستقطاب هذه الحركة إلا من خلال برلمان قوي وأحزاب سياسية فاعلة وممثلة بالبرلمان بحيث يتلاشى المبرر لوجود أي حركة خارج هذا الاطار.
المرحلة لا تحتمل الاستمرار بذات النهج، وباتت تفرض ان يتم تبني خيار قانون الانتخاب المختلط الذي يربط بين نظام الانتخاب الفردي الذي لا يلغي الهياكل التقليدية ونظام القائمة الحزبية النسبية، مع ربط الترشح والبقاء في البرلمان بالعضوية بالاحزاب السياسية.
(الراي)