من الطبيعي أن تكون إقامة الدولة الفلسطينية مصلحة وطنية أردنية, كما صرح بذلك وزير الخارجية ناصر جودة, مؤخراً, وفي مرات سابقة.
ولكن كما أثبتت إسرائيل مرة أخرى, في محادثات عمان "الاستكشافية", أن إسرائيل ترفض مثل تلك الدولة, واستغلت اللقاءات لفرض تصور للحل النهائي يهدف إلى إضفاء الشرعية لسيطرتها على الاراضي الفلسطينية وغني عن القول بأن مثل هذا التصور يتعارض مع المصلحة الوطنية الاردنية.
فقد قدمت إسرائيل, في الجلسة الاخيرة من المحادثات عرضاً, أسمته "محددات الوضع النهائي", ينسف أي فرصة لإقامة حتى دويلة فلسطينية, غير آبهة بمصلحة الاردن أو الشعب الفلسطيني, أو حتى الاتحاد الاوروبي.
الموقف الاسرائيلي ليس مفاجئاً وليس جديداً, ولكن من المفيد والضروري معرفة تفاصيله, خاصة مع استمرار الضغوط على القيادتين الاردنية والفلسطينية, لاستئناف المحادثات, رغم فشلها, خاصة أن التصور الاسرائيلي, من الوضوح بحيث لا يترك مجالا للتأويل أو التفسير, من ناحية نتائجه وأهدافه.
"محددات الحل النهائي", التي عرضتها إسرائيل, وفقا لمسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله, هي كالتالي:
أولاً: وضع القدس غير قابل للتفاوض - أي بقاء القدس خارج المفاوضات.
ثانيا: تقوم إسرائيل بضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية.
ثالثاً: الاتفاق على وضع خاص للمستوطنات التي لن يتم ضمها أي أنها هذه لن تكون خاضعة للسيادة والقوانين الفلسطينية, المثير للانتباه هي اللغة التي استخدمها الاسرائيليون هنا, والتي تحدثت عن ترتيبات "لتنظيم العلاقة بين المجتمعين" اليهودي والعربي, بمعنى الاعتراف بالمستوطنين كسكان ومالكين شرعيين لأرض تمت مصادرتها ونهبها بالقوة. (يعتقد المسؤولون الفلسطينيون أن إسرائيل ستطلب ترتيبات أمنية يشارك بها الجيش الاسرائيلي بحجة "حماية المستوطنين", مما يؤمن استمرار وجود للجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية).
رابعاً: إبقاء السيطرة الاسرائيلية على أراضي غور الاردن من خلال تواجد عسكري إسرائيلي في المنطقة الحدودية.
خامساً: أن يكون للجيش الاسرائيلي الحق في استعمال الممرات والطرق الضرورية لعمله, داخل الضفة الغربية, أي مرة ثانية تأمين بقاء عسكري إسرائيلي في الاراضي الفلسطينية.
القيادة الفلسطينية لا تستطيع, واشدد مرة أخرى غير مفوضة, لقبول حل ينتقص من الحقوق الوطنية الفلسطينية, وإسرائيل تعرف ذلك, ولكنها, دائما تحاول أن تؤسس لمفاهيم سياسية لتشكيل إجماع دولي, في المستقبل, حول شروط الحل النهائي.
فمثلا سارع دبلوماسيون غربيون,وفقاً لصحيفة هآرتس الاسرائيلية, بتقديم "أفكار لتجسير الهوة", بين الطرفين, تقضي بأن يكون بقاء القوات الاسرائيلية,في غور الاردن, ضمن قوات دولية تٌشكل لمثل هذا الغرض. فبدلاً من رفض مثل هذه المقترحات التي تتناقض مع القانون الدولي, تتسابق بعض الدوائر الغربية على إيجاد "صيغ مقبولة", لأفكار "غير مقبولة", تستعملها في الضغط على الجانب الفلسطيني.
أخيرا, فيما نتفق من حيث المبدأ, مع تصريحات وزير الداخلية, حول أهمية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة, فأن استئناف محادثات عمان, وبفضل التعنت الاسرائيلي الذي لا مهادنة فيه, لن يصب لا في المصلحة الوطنية الاردنية ولا الفلسطينية, فمسار المحادثات لا تحكمه النوايا الاردنية ولا الفلسطينية.
العرب اليوم