عيد ميلاد الملك .. عيد ميلاد امة
د. محمد المناصير
31-01-2012 02:04 AM
في الثلاثين من شهر كانون الثاني من كل عام نحتفل بعيد ميلاد جلالة ملك الاردن ملك حكيم في حكمه وحياته ، في ردات فعله في حركاته وسكناته ، في حله وترحاله ، ملك تمتد شرعيته لاكثر من تسعة قرون ونصف في زعامة وامارة وشرافة وملك ، لا يحتاج ان يسوق نفسه في سوق الزعامات ، ولا يحتاج ان يؤكد على ارومته الطيبة كل حين ، لا يستجدي الولاء ، ولا يستخف بالانتماء ، ملك يعرف قيمة الشعب ، يسهر على راحتهم ، ملك ليس ككل الملوك ، متواضع حيث يتكبر الناس ، عالم حيث يجهل الكثيرون ماذا يجري حولهم ، قائد حين تصبح القيادة شحيحة ، يفيض حيوية وعزما ، يتدفق فكرا نيرا ، ويصل الى اعماق القوب دون استئذان ، ملك كاسلافه من الملوك الهاشميين ، لا يعرف الحقد ، ولا يتصيد الاخطاء ، لا يتعمد الاحراج ، فيحفظ ماء وجه غريمه ومنافسه ، ملك يعرف قدر شعبه ، لا يأبه بغيرهم ، لا يحابي ولا يجامل في الحق ، ملك يصر على الاصلاح قبل ان يبدأ الاخرون بالمطالبة به ، بدأ ربيع الاردن قبل ان يبدأ ربيع الامة ، ثار على التأطير الفكري ، تمرد على سياسة الاحتواء ، نأى بالاردن عن سياسة الانحياز ، الا للحق .
لقد عرفته حق المعرفة قبل وبعد استلامه الحكم من خلال المتابعة والتوثيق ، فكان من السهل ان اكون صاحب اول برنامج تلفزيوني واذاعي عن جلالته عام 1999 ، حيث كانوا يبحثون عن كاتب لاول برنامج تلفزيوني واذاعي بعد تولي جلالته السلطة ، اسميته (( عهد جديد .... وقيادة واعدة)) ، كان امتحانا لقدرات كاتب اعلامي ، وكان تحديا من نوع جديد ، لملك لم تعاد اليه شرعية ولاية العهد الا قبيل استلامه العرش بفترة وجيزة ، لتتسارع الاحداث وتوشك قياد دفة الحكم ان تنتقل اليه ، بعد 34 عاما من الغياب ، ليعود اليه الحكم وليا للعهد ثم ملكا ، ليس لشيء الا لانه صاحب الولاية الشرعية على الحكم منذ ولادته ، حين بشر بولادته والده الملك الحسين قائلا : "وقد كان من الباري جل وعلا ومن فضله عليّ وهو الرحمن الرحيم أن وهبني عبدالله قبل بضعة أيام , واذا كانت عين الوالد في نفسي قد قرّت بهبة الله وأعطية السماء فانّ ما أستشعرة من سعادة وما أحسّ به من هناء لا يرد, الا أن عضوا جديدا قد ولد لأسرة أردنية وابنا جديدا قد جاء لأمة عربية, ومثلما نذرت نفسي منذ البداية لعزة هذه الأسرة ومجد تلك الأمة كذلك فانني قد نذرت عبدالله لأسرته الكبيرة ووهبت حياته لأمته المجيدة، ولسوف يكبر عبدالله , ويترعرع في صفوفكم وبين إخوته وأخوانه من ابنائكم وبناتكم , وحين يشتد به العود , ويقوى له الساعد , سيذكر ذلك اللقاء الخالد الذي لقي به كل واحد منكم بشرى مولده , وسيذكر تلك البهجة العميقة , التي شاءت محبتكم ووفائكم إلا أن تفجر أنهارها في كل قلب من قلوبكم , وعندها سيعرف عبدالله كيف يكون كأبيه , الخادم المخلص لهذه الأسرة , والجندي الأمين في جيش العروبة والإسلام ".
كان صوت الحسين محفوظا في ارشيف الاذاعة الاردنية ، قبل ان تمتد يدي الى الرفوف العتيقة في اذاعتنا العتيقة ، فازيل غبار الزمن عن الشريط نواع " ريل " في مكتبة التسجيلات في الاذاعة ، حيث كنت قد قرات الخطاب في كتاب خطابات جلالة الحسين الذي اعده الدكتور على المحافظة ، وكم كانت فرحتي بوجود هذا التسجيل فهرعت لمكتب مدير البرامج في التلفزيون انذاك الاستاذ صالح ارتيمة الذي تفاجأ به وطلب مني عدم الافصاح عنه ليصبح سبقا لتلفزيوننا على الوسائل المقرؤة والمرئية والمسموعة ، ثم غصت في ثنايا جرائد الدفاع والدستور والاردن والراي باحثا عن ارشيف جلالته حين كان اميرا ، فوجدته قد مارس فنون السياسة كنائب عن جلالة الملك مرات عديدة ومبعوث لجلالته ومندوب عنه في العديد من المهمات الداخلية والخارجية فاحصيتها ، وبحثت من خلال التواريخ في الصحف عن ارشيف صوتي في الاذاعة او سمعمرئي في التلفزيون فوجدت ارشيفا لا بأس به . وبجهود بذلها المخرج اياد الخزوز تمكنا من اخراج اول برنامج عن جلالته في بواكير عهده ليكون مثالا للبرامج الوثائقية الجادة التي تليق بعبد الله بن الحسين ، وقد بث في يوم واحد ثلاث مرات ووضع نص كلمة الحسين في ذكرى مولده اكثر من 13 مرة طوال النهار، وقد تلقيت كتاب شكر من رئيس الديوان الملكي لا زلت افتخر واعتز به ما حييت .
وهكذا تولى عبد الله بن الحسين ولاية العهد على فترتين، الأولى من يوم ولادته في 30 يناير 1962 إلى 1 أبريل 1965. والثانية من 24 يناير 1999 إلى 7 فبراير 1999. تحين تولى عرش المملكة الأردنية الهاشمية في 7 فبراير 1999 بعد وفاة والده الملك الحسين بن طلال مباشرة .
ان عيد ميلاد جلالته هو عيد امه فما عبد الله الا وردة يانعة في شجرة ال البيت العامرة الباسقة ، قاماتهم تطاول السماء ، وعزهم تجاوز حدود الزمان والمكان ، وبعد نظرهم فجر طاقات الامة فما معطيات واستحقاقات الربيع العربي الا انبثاقا عن فكر النهضة العربية الكبرى التي فجرها الشريف الحسين بن على في وجه دعاة التتريك والطوارنية في الدولة العثمانية بعد ان جردوا السلاطين من مسؤولياتهم ، ليتسلمها الطورانيين وبقايا يهود الدونمة الذين علقوا احرار العرب على اعواد المشانق في دمشق وبيروت وحلب .
ولكن ربيع النهضة العربية امتد من بطحاء مكة الى ربوع الشام والعراق لينتج ممالك عربية هاشمية في كل من دمشق وبغداد وعمان .
وهاهم ال هاشم يسبقون الزمن في فكرهم ليبدأ جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بالاصلاح قد ان يفكر به الاخرون . فيكتفي الاردن شر الفتن والمهالك ، بقيادته الهاشمية الفذة ، فمولد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين مولد امه ...