تمر ذكرى عيد ميلاد الملك عبدالله الثاني مختلفة هذا العام، و لعل أبرز اختلافاتها هي في خمسينيتها التي أتمها جلالته اليوم، فهذه الخمسينية بدأت تظهر على ملامح جلالته فيما يكمل بعد عدة أيام ثلاثة عشر عاما في الحكم، و نسبة الى عمر جلالته تشكل هذه السنوات أكثر من ربع عمر جلالته المديد بإذن الله، و هي نسبة يصلها لأول مرة هذا العام.
هذه النسبة كبيرة حيث تعني أن جلالته قضى ربع العمر بين هموم الناس و قضايا الوطن و أزمات الأمة و تعقيدات العلاقات الدولية مما يكسبه خبرة متراكمة ، و رؤية مختلفة ، و الأهم في شخصية جلالته أنها تزيد من قدرته على التحدي و تجاوز الأزمات بما يشابه قصة تأسيس هذا الوطن منذ بدايته كإمارة كانت منارة للثورة العربية و نهضة هذه الأمة من سباتها!
كما أن الاحتفال بهذا العام يأتي مختلفا نظرا للظروف التي تمر بها المنطقة ، و لطالما تعودنا أن يكون الأردن في قلب العاصفة من حدوده الأربعة ، لكن الظرف المختلف هو في هذا الاعصار الهادر الذي يضرب المنطقة و يقتلع الحكام و كأنه تسونامي ... بينما لا زال الجميع هنا متمسكون بثوابت وجود النظام النيابي الملكي و لا زال الجميع متمسكون برمزية الحكم الهاشمي كصمام أمان لهذا الوطن و كعنصر ضامن للاستقرار ، حتى أن أشد دعاة الاصلاح ، ممن يصنفهم النقاد بالمعارضة التي تتجاوز الخطوط الحمراء، يطالبون ليل نهار بأن يكون الملك هو الضامن و القائد لمسيرة الاصلاح! و هي مفارقة يجب أن تكون نقطة التقاء و تجميع لقوى الاصلاح في المملكة.
و حيث أن الظرف مختلف ، و المناسبة في خصوصيتها مختلفة ، وجب أن يكون الاحتفال بها مختلفا ... فلا أعتقد أن سيدنا ينتظر منا في هذا اليوم أن نغلق الطرق في فاردات السيارات احتفالا ، و لا في تجمعات بالآلاف و لا في الملايين في الساحات و الميادين ، و لا في إعلانات التأييد و الولاء في الصحف ، و لا بتقارير التلفزيون " السمجة" التي ترصد الفرحة الشعبية ، و لا بملاحق الصحف و لا باحتفالات الدوائر الحكومية ... فأنا و كمواطن متابع لنشاط جلالته أراهن أنه ينتظر منا فقط أن نعمل لتنفيذ رؤيته المعلنة للاصلاح ، و أن نخلص في الانتماء لهذا الوطن العزيز بفخر ، و أن نأخذ كلا في موقعه دورنا في هذه المسيرة المستمرة!
كنت أتوقع من الحكومة احتفالا مميزا في عيد الملك هذا العام ، احتفال يجدد شباب المملكة و يعكس إيمان جلالته بمستقبل يقوده الشباب ، بدلا من احتفالات زائفة مكررة و بيانات طويلة مملة و بروتوكولات سئمناها ! فكم كانت ستكون فرحة الملك اليوم عظيمة في عيده لو أقرت الحكومة اليوم مشروع قانون الانتخابات الذي يشكل حجر الزاوية في رؤية الملك للاصلاح ؟ أو كم كانت فرحته كبيرة لو أقر البرلمان اليوم – أو شرع على الأقل – في مناقشة قانون الهيئة المستقلة للانتخابات التي يفاخر جلالته بأن التعديلات الدستورية التي جرت في عهده تضمنتها ؟ أو كم كانت ستكون فرحة الملك اليوم مختلفة و هو يرى اليوم أول اجتماع للمحكمة الدستورية في يوم ميلاده؟
أعلن الملك منذ أشهر خارطته للاصلاح ، لكن يبدو أن حكوماتنا و حتى حراكنا الشعبي لا يجيد قراءة هذه الخريطة ، فحتى اليوم لا زلنا نخطو ببطء في هذه المسيرة التي ستتوج في نهايتها بتجديد شباب المملكة ، و بربط اسم جلالته في التاريخ بهذه الثورة التي قادها هو بنفسه ، و ستكتب كتب التاريخ أن الملك المستنير عبدالله الثاني قد كان الأكثر استشرافا بين أقرانه العرب في هذا الزمان تماما كما سجلت وقائع هذا الزمن أن عبدالله الأول كان الأكثر استشرافا بين أقرانه في ذلك الزمن رغم كل الظلم الذي لحق بطروحاته آنذاك ، و تماما كما سجل التاريخ و لازال يسجل أن الحسين رحمه الله كان الأكثر استشرافا و عبقرية حين آمن بقدرة الأردن على الصمود و بقدرة القيادة على الالتحام بهذا الشعب و اختار الحكمة و الحب سلاحا ضد التخلف و القوة!
الملك هو ضامن الاصلاح ، و حامل التاج ، و حامي المسيرة ، و محقق التوازن بين السلطات ، و هو أيضا وجه الأردن على العالم. و عليه فقد حان الوقت لأن نحمل عنه بعضا من الهم بأن لا نشغله في القضايا البسيطة و أن يتحمل كل منا مسؤوليته في هذه الأزمة ، و أن نعمل معا بصمت و جهد و تصميم و إيمان حتى نعبر هذا المنعطف الاقتصادي و هذا النفق السياسي نحو يوم نرى فيه رؤية الملك و أماني الناس حقيقة واقعة.
عيد الملك اليوم هو تذكرة لنا بتسعين عاما من حكم الهاشميين للناس بالاحترام و الكرامة و النزاهة التي قل نظيرها في كل الأقطار من حولنا ، و عيده اليوم هو إضاءة لطريق المستقبل الذي ينتظرنا إن نحن تمسكنا بالعقد الاجتماعي السياسي الذي أبرمه أجدادنا مع أبناء و أحفاد الحسين بن علي مفجر الثورة العربية الكبرى الأولى ، و ما اجملها من مناسبة لتجديد هذا العقد حين تأتي في ربيع الثورة العربية الثانية التي نعيشها هذه الأيام و التي يقود عبدالله الثاني شخصيا نسختها الأردنية بلهجه الواثق من نفسه الفخور بإرث أجداده في البناء و التنمية و التنوير منذ خاتم الأنبياء الى اليوم!