سيدي القائد .. هو الصمت سيد الكلمات
خالد محادين
30-09-2007 03:00 AM
لم تكن ليلة الثلاثاء الماضية كأي ليلة اخرى، اذ حين تقدمت نحو عبدالله بن الحسين لاتلقى منه جائزة لا ترقى في نبلها الى اليد التي تمدها نحوك. كان عليك ان تستند الى عصاك وأن تستند الى شوق اللحظة القادمة وان تستند الى ذراع زميل، وان تقطع المسافة على عجل، حتى لا يطيل القائد الوقوف في انتظار اردني يتقدم نحوه.ثم تأخذك المفاجأة والقائد ينزل الدرجات عن الشرفة التي كان يقف عليها، ويتقدم نحوك دفئه قبل صدره وضحكته قبل اصابعه ورعايته المستمرة لك قبل كل شيء دافئ وجميل آخر.
هل كانت هذه المفاجأة؟! لا اعتقد، فهذا التواضع وهذا القلب الكبير وهذه القدرة على مسح اوجاعك هي بعض قليل مما ورثه القائد الذي امتطى جواده عن الحسين الذي اختار له الله ان يترجل ويغمض عينيه على مساحة عمان ومساحة القدس، ومساحة الاردن ومساحة فلسطين، ومساحة الحزن الكربلائي، لأنه على ما بنى ظل يحلم بما هو اعلى، وعلى ما ارسى ظل يحلم بما حلم، في ان يظل هذا البلد (في حجم بعض الورد) وفي صلابة وطهر وعنفوان السيف والرمح.
تلك الليلة كنت تتوسط مسافتين متساويتين واحدة بينك وبين عمان وثانية بينك وبين القدس، اذ لحظة امضي خطوة عن عمان اقترب خطوتين من القدس، وعندما أنأى خطوة عن القدس اقترب اربعاً من عمان، وعندما تتقدم بخطواتك المتعبة لتضع يدك في يد القائد، تشعر انك في وطن يسندك ضعيفاً ويرعاك مريضاً ويحضنك طفلاً، يتمنى كلما تقدم سنة في العمر لو انه يعود سنوات الى الوراء، ليكتب للوطن شيئاً مختلفاً وللقائد شيئاً مختلفاً وللاردنيين شيئاً مختلفاً.
ها أنت أمام القائد تضع أصابعك بين أصابعه فتشعر بالطمأنينة التي لم يمنحها لك سواه الآن وسوى الحسين عندما كنت في حضرته يرعاك وربما كما لم ينعم أردني سواك بمثل هذه الرعاية، يقول لك زميل بعد تلك الليلة (كانت ليلة مختلفة وحيّة على شاطئ بحر ميت!!) تبتسم وتطرح اسئلتك الكثيرة: متى كان الملح سكراً أو السكر ملحاً، فالبحار الحية تتحول الى برك آسنة عندما لا يكون على شطآنها أحبة ومواويل واطفال وكتب وقصائد واشياء أخرى كثيرة في ملعب طفولي اسمه الوطن، وتحت ظل شجرة فيه يكون أهله وسيد أحلامهم القائد المختلف الذي لا يترك لك ولو لحظة واحدة أن تجد الكلمات التي تعبر بها عن دفئه ورعايته وقربه منك.
مساء الثلاثاء الماضي ملأني الزهو في أن هذا الوطن لي وحدي، وأن هذا القائد لي وحدي، وأن هؤلاء الناس في مدن الوطن وقراه لي وحدي، وعندما أشعر أن آخر أو آخرين يشاركونني في الوطن والقائد والناس، يفيض صدري بالفرح، فهذا الحب الذي يجمعنا لا يترك حتى للغيرة الجميلة نافذة تمر منها الى القلوب النائمة في صدورها المطمئنة.
ومساء الثلاثاء الماضي هنأني مسؤول كبير سابق وقال مداعباً (لقد كرمت الليلة ومنحت جائزة الحسين للابداع الصحفي عن أفضل مقالة، ولو كنت في بلد آخر لكانت كل مقالة لك تكفي لسجنك عاماً او خمسة) ابتسمت له وقلت أنا أكثر الناس دراية بهذه الحقيقة، لكنني اعتقد أنك لا تعرف الحقيقة الكاملة، إذ أحمد الله على أنني أعيش في وطن يكرم القائد إخوانه والرأي الآخر، ولا أعيش في بلد ترعى حكومته المنافقين وتجردهم من انتمائهم الوطني بجعل كل ولائهم لغير الوطن ولغير القائد) لكل هذا وبسببه لا أذكر أن قلقاً انتابني بسبب مقالة كتبتها أو رأي أعلنته أو نقد وجهته لمن يستحقه، إذ حين تكون انت انت، ويكون الوطن لديك كل الأرض، وتكون قيادتك وحدها التي تسير وراءها وتعتز بها، فلماذا تخاف مما تقوله أو تخشى أن تقول ما هو قناعتك التي وفق ولائك وانتمائك لا تكون الا قناعة تستحق من أجلها أن تقاتل في كل حروب الوطن، دون أن ترتكب الخطيئة المتمثلة في الدفاع عمن ليس قائداً.
واعترف انني كنت أعددت الكلمات التي سأخاطب بها عبدالله بن الحسين، وأنها كلها غابت لحظة بدأت اقترب منه لأصافحه، ومنذ تلك اللحظة سكنتني طمأنينة المؤمن وشجاعة المتصوفين، فلم اشعر ان ثمة ما يقلقني عندما اترك - بعد اسبوعين - جسدي بين أيدي الجراحين لأكثر من ست عشرة ساعة، اكون قد رحلت في غيبوبة طفل، لا اشعر بأصابعهم ولا بمباضعهم ولا بحبات عرقهم وهم يواصلون عملهم دون لحظة راحة واحدة، وعندما ينتهون ويحكمون اغلاق النافذة التي فتحوها لانتزاع كبد على وشك التوقف وزراعة كبد نابض بالحياة، سأفتح عيني فيكون امامهما الاردن والقائد والاهل والاصدقاء وكل الذين اعرفهم ولا اعرفهم ممن كتبوا لي انهم يصلون من اجلي، وسأنتظر مرور الايام الاولى لأجلس فاكتب مقالتي الاولى احاول فيها ان اقول كلماتي (سيدي القائد لقد احطتني برعايتك واخترت ان تكون رسولي من الله لمنحي ما هو مكتوب لي من بقية العمر، فهل يكفي ان اقول كلماتي امام ما لا يستطيع ان يسمو الى نبله إلا الصمت).
k.mahadin@hotmail.com