كتبنا قبل هذه المرة عن (الفكر الفقهي) الذي يستند إلى حرفية النص فقط دون الذهاب إلى ما هو أوسع في الفهم. والذي أدى ويؤدي بأصحابه إلى الخروج بفتاوى غريبة ومضحكة أحيانا ..
ولعلها المصادفة تلك التي ستدفعني للكلام عن (الفكر الفقهي) للمرة الثانية على التوالي ، فقد رشحت قريحة بعض الفقهاء مؤخرا عن فتوى ذات علاقة بفهم حرفي محدد تقتضي أن الزواج الذي يتم في فن التمثيل ( زواج المسلسلات) يقع عند الله على أنه زواج.. مما يوقع الممثلات بجريمة تعدد الأزواج!! واستندت الفتوى إلى حديث (ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد ) ومنها الزواج.. ناسين أو متناسين أحاديث أخرى تشكل قواعد عريضة من أهمها (إنما الأعمال بالنيّات)
وهذه الفتوى يقف في وجهها المنطق والعقل وصريح النصوص والبداهة معا.. فالزواج لكي يقع ينبغي أن تتوفر فيه (النية) التي هي الشرط والأساس لكل أفعال المسلم.. كذلك فإن معظم العلماء قديما اشترطوا ليس فقط النية .. بل (نية الديمومة) أي انعقاد النية لدى الطرفين على دوام الزواج بينهما .. ما لم تحدث أسباب للطلاق..

ومثل هذه النية بالتأكيد ليست متوفرة لدى الممثلين في عملهم وبالتالي من البديهي أن (زواج التمثيل) لا شأن له بانعقاد الزواج ..
والفتوى حسب نص الخبر في عمون تخلص إلى أن (ظهور ممثلة وممثل وبينهما مأذون على الشاشة، ثم عقد القران بالطريقة الشرعية، اعتماداً على العبارات المتفق عليها شرعاً، يعني أن الزواج قد تمّ بينهما. وإذا كانت الممثلة متزوجة في الحقيقة، فهي بذلك تجمع بين زوجين)
هذا الفهم غريب ومنتقص جدا.. إذ إن الذي يقول هذا الكلام إضافة إلى إغفاله النية.. يغفل تماما أن الزواج الحقيقي يقوم بين الطرفين باسميهما الحقيقيين. وليس بالأسماء الوهمية المتقمصة.. والشخصية التي تمثلها الممثلة هي التي تتزوج وباسمها الذي هو وهمي .. كذلك الممثل.. وهناك فرق يدركه الطفل بين الشخصية التي يتم تقمصها وبين الممثل ..
وعلى نفس القياس لو سلّمنا بصحة الفتوى فهل يكون الممثل الذي يمثل دور شخصية كافرة مثلا فقد كفر .. ومن يمثل مليونيرا فهو مليونير وهكذا.. ومن يمثل دور ملك يمكن أن نتهمه بانتحال الشخصية؟ مثلا.. ومن قام بتمثيل دور سارق يجب أن يحاكم بقطع اليد..
أصبح من الضروري أن تقوم المجالس الفقهية والأكاديميات الشرعية بمراجعة شاملة لمناهجها وأساليب تدريسها وأسس قبول تلاميذها لتخرج (مفتين وشيوخ) على درجة من الفهم تجنب أمتنا الوقوع المتكرر في السخرية التي تخرج علينا بين فينة وأخرى من خلال فتاوى مضحكة. تحول بالتراكم النظرة إلى (المفتي) على أنه ( أراجوز)