يبدو أنه ومع اقتراب قبضة التحقيق من كبار الشخصيات السياسية في الأردن على خلفية شبهات فساد في ممارساتهم، سيتعرض المواطن الأردني وبخاصة المتابع لوسائل الإعلام إلى حملات عديدة وصراعات جديدة بين المتهمين بهذه القضايا من خلال شبكات الدعم التابعة لهم وعلى عدة منابر إعلامية بما لا يحقق الفائدة للوطن، ولا لهدف مكافحة الفساد.

لا تدار الحروب على الفساد في وسائل الإعلام، وما يحدث هو فقط الإدعاءات والتشويه والتلميع. مكافحة الفساد أمر قانوني يحتاج إلى تحقيقات دقيقة وإلى بناء قضية وإدعاء متكامل بحيث لا يتضمن ثغرات قانونية تسمح للمتهمين بالتهرب من المصير المطلوب وهو دفع ثمن ما ارتكبوه من تصرفات فاسدة ونهب للمال العام أو حجب حقوق الآخرين. بالطبع هنالك حق في الحصول على المعلومات ولكن ليس الشائعات وهنالك رغبة وتعطش من الرأي العام لمتابعة التفاصيل وهنا تتحمل وسائل الإعلام الكثير من المسؤولية حتى لا تنجر إلى مربع الشائعات وتصفية الحسابات وتضليل المواطن.

الرأي العام الأردني مسكون بهاجس مكافحة الفساد وهذا أمر طبيعي لأن كثيرا من التجاوزات حدثت في السنوات الماضية وقد حان وقت المساءلة ومنع تكرارها مستقبلا، ونعرف تماما بأن لكل جهة أو شخص أو تيار سياسي “شيطانه” الخاص في الفساد والذي يتم تحميله مسؤولية خراب الأمور وبالتالي توجد لائحة طويلة من الأسماء التي يرغب الكثير في رؤيتها في ساحة المحكمة. ولكن المسار الصحيح هو في ملاحقة جميع الملفات بدون تهاون وعدم السقوط في فخ التحريض على بعض الأسماء مقابل تخفيف الضغط عن الأسماء الأخرى ومن المهم دائما معرفة خبايا الأمور قبل التعلق بالشعارات والبطولات الإعلامية.

هنالك مؤسسات معنية بحكم تكوينها بمكافحة الفساد وهي تعمل بصمت وثقة وهدوء ودقة للوصل إلى المعلومات الكاملة وبالتعاون مع كافة الجهات التي تملك هذه المعلومات. ومهما كانت الحاجة ملحة من قبل الضغط الشعبي فإن أخطر وأسوأ نتيجة ستكون بناء إدعاء فساد غير متكامل يمكن أن يجعل المتهم بريئا في نهاية الأمر ويساعده في التهرب من مسؤولية أعماله. من يريد أن يخدم أهداف مكافحة الفساد يعمل ضمن هذا النظام المنهجي ولا يلجأ للحروب الإعلامية وتلميع الذات...أو لخدمة الآخرين.

هنالك قرار عالي المستوى بمحاربة الفساد قانونيا وستكون التطورات سريعة ومشحونة وهنالك رؤوس كبيرة تشعر بالخوف وكذلك من كان في دائرتها من مروجين وطبالين، ونحن قد نكون في مواجهة صراع بقاء شامل يتم فيه استخدام كافة الوسائل غير الشرعية وعلينا كإعلاميين أن نحذر من الوقوع في هذا الفخ.

المساهمة الإيجابية في مسار مكافحة الفساد تتطلب التركيز على تطبيق نصوص القانون بعدالة وإنصاف على الجميع بدون تباين في التعامل، ونشر المعلومات الحقيقية حول تطور العمل في التحقيق بالملفات المطروحة على طاولة مكافحة الفساد ورفض استخدام الإعلام أداة لتصفية الحسابات وتلميع البعض على حساب الآخر. هذه مسؤولية كبيرة تجاه بلدنا وعلينا كإعلاميين أن نكون منحازين فقط لضميرنا في صراع البقاء الذي سوف تستعر نيرانه في الأيام القادمة!

batirw@yahoo.com

(الدستور)