عند الحديث عن (غسل الاموال) فلا بد من مراجعة حثيثة لمراحل تطور (الغسل) في بلدنا بشكل عام.
منذ البدايات كان هناك تخصص في (الغسل).. فاوكلت مهمة (غسل الاموال) للرجال, واوكلت مهمة (غسل الاواعي) للسيدات.. وطبعا لكل منهما حالات استثنائية خرجت على العرف السائد في بلدنا..
من المعروف للجميع ان اول (غسلة اواعي) اجريت في الاردن كانت على (الغدير).. حيث كانت النساء ترد (الغدير) للتزود بمياه الشرب وايضا (غسل الاواعي) بالماء وبعض مكونات الارض الطبيعية, حيث لم يكن قد عرف الاردنيون بعد منظف البقع (سنو) ولا ما يسمى (البرسيل).
اما بخصوص اول عملية (غسل اموال) فمن المرجح انها كانت لغسل (ثلاثة قروش) حيث ان احد (البواقين) في (الربع) وبعد ان قام بسرقة احد الخرفان وبيعه وقبض الثمن خاف من ان ينفضح امره بامتلاكه (ثلاثة قروش) فقام بشراء (فروة) بهذا المبلغ وهكذا غسل (الثلاثة قروش) بشراء (الفروة)..
بعد عشرات السنين وصلت المياه لمنازل الاردنيين فكان لا بد وان يشهد (الغسل) تطورا ملحوظا.. في تلك الايام ظهر ما يعرف (بلقن الغسل) حيث كانت النساء تقوم بوضع (لقنين) بجانب بعضهما بعضا .. احدهما يتم فيه (فرك الغسل) ببعض المواد الكيميائية والاخر توضع فيه مياه نظيفة وكان مخصصا (للبح)..
مثل هذا التطور الملحوظ في (الغسل) كان لا بد ايضا وان يشهد (غسل الاموال) قفزات نوعية.. ويقال انه في تلك الفترة قام احد (السرسرية) بسرقة (ماتور) كهرباء وبيعه بمئات الدنانير وحتى لا ينفضح امره بامتلاكه مثل هذا المبلغ راح (تزوج) فيه وغسل تلك الاموال بتكوين عائلة..
بعد مرور عشرات السنين على استعمال (اللقن) وبعد ان تشققت ايدي النساء من (الفرك) و(البح) جاء الاختراع الذي (قلب) حياة الاردنيين رأسا على (عقب) وهو ظهور (الغسالة البرميل).. وهنا اصبح غسل الاردنيين ناصع البياض خاليا من (البقع) بفضل هذه الغسالة, بالمقابل اصبح (غسل الاموال) اكثر سوادا لان عمليات (النهب) اصبحت بالالاف واصبحت عملية (غسلها) بحاجة لتأسيس شركات.. وهنا نسجل ان ظهور (الغسالة) جاء بالتزامن مع ظهور (الشركة) في عمليات (الغسل) في الاردن..
في وقتنا الحالي وبعد ان انتشرت المسلسلات التركية اصبح مطلب السيدات (الغسالة فل توماتيك).. فلا يوجد لديهن وقت للانتظار لمتابعة الغسل ووضع مواد التنظيف ومن ثم نشر الغسل على الاسطح.. لان الغسل يخرج تلقائيا من (فل توماتيك) الى (الكوي) على طول.. من دون وجود حاجة (لتعب البال).
مع هذا التطور التكلنوجي المذهل في (غسل الاواعي) شعر (غسل الاموال) بالحرج الشديد.. فلم يعد من المنطق كل ما لطشنا كم (الف دينار) نحتار في (غسلهم).. فدخلت التكلونوجيا عالم (غسل الاموال) ولم يعد اسم (البواق) و(السرسري) يناسب المرحلة الحالية فظهر لدينا اسما اكثر رومانسية وهو (فاسد)..
وعلى الرغم من ان عمليات (غسل الاموال) اصبحت بالملايين الا ان عمليات (غسلها) لا تحتاج لا اكثر من (كبسة زر) فتضييع الملايين في سيرفرات البورصات والبنوك والاسواق المالية..
كل ما يتم اتهام احدهم بتهمة (غسل اموال) بالملايين.. اشفق حقيقة على (البواق) و(السرسري) .. لان فاسدا واحدا في وقتنا الحالي استطاع ان (يغسل) لوحده ما يساوي بالقيمة كل غسل (الاموال) و(الاواعي) في بلدنا منذ عرفنا (الغسل)!
salehabuarab@yahoo.com
(العرب اليوم)