الليبراليات ثلاثة أصناف: ليبرالية اقتصادية وليبرالية سياسية وليبرالية ثقافية.
الليبرالية الاقتصادية هي حرية السوق والتجارة وحركة رأس المال , حرية الربح وتكديس الثروات. وهي حرية مطلقة لا تقيّد نفسها بمصالح وطنية أو تنموية أو اجتماعية. وطالما أن القيمة المعيارية الوحيدة فيها هو النجاح في تحقيق الأرباح, وطالما أن تحقيق هذه الأرباح الهائلة في بلدان العالم الثالث التقليدية, ليس ممكنا إلا عبر الخصخصة والمشاريع الكبرى غير الضرورية أو حتى الوهمية التي تخضع للقرارات السلطوية, فإنها ترتبط بنتيجة حتمية هي الفساد بأنواعه المختلفة.
الليبرالية السياسية هي حرية الممارسة السياسية غير الاجتماعية, حرية لا تتقيد إلا بمصالح الزعيم أو الحزب السياسي في الفوز في الانتخابات التي تتحكم فيها الدعاية والمال وتشابك المصالح مع الشركات ورجال الأعمال. وبالنسبة لبلدان العالم الثالث هنالك أيضا عامل مهم جدا هو عامل التدخل الدولي. وإذا كانت الليبرالية السياسية تسمح للقوى الشعبية والكادحين بتشكيل أحزابهم, فإن افتقار هذه الأحزاب إلى التمويل الضخم وإلى الوسائل الدعائية, من جهة, والتزامها بالمعايير الاخلاقية الاجتماعية التي تمنعها من التضليل والكذب, يحولان دون حصولها على أغلبية برلمانية تظل, دائما, في أيدي الأحزاب الرأسمالية. والأخيرة قد تكون قومية أو دينية أو تسمي نفسها اشتراكية. فالمهم هو السياسات الفعلية وليس الاسم.
الليبرالية الثقافية هي حرية الأفكار والفن والمعتقدات والسلوك الفردي, حرية غير مقيّدة إلا بإرادة الفرد الحرة ونظرته الأخلاقية والتزاماته الشخصية.
الليبراليات الثلاث متلازمة في الغرب الرأسمالي, لكن القوى السياسية في بلادنا تختار بعضها من دون الآخر. ففي الخليج, باستثناء دبي, ترفض الأنظمة الحاكمة, الليبرالية الثقافية مطلقا,وفي السعودية تمارس السلطات حق تحديد الحرية الشخصية تحت طائلة العقاب. كذلك ترفض الأنظمة الخليجية, باستثناء الكويت, الليبرالية السياسية, لكنها جميعا تلتزم التزاما كاملا وبلا حدود بالليبرالية الاقتصادية.
الأنظمة القومية ( الناصرية والبعثية ) قامت على رفض الليبراليتين الاقتصادية والسياسية, لكنها تبنت الليبرالية الثقافية. ولطالما قدمت سورية, التي مُنعَت فيها حرية ممارسة السياسية طويلا, نموذجا مذهلا في الليبرالية الثقافية.
الحركات الإسلامية تعادي الليبرالية الثقافية, لكنها تتمسك - كالخليج - بالليبرالية الإقتصادية. وقد تطورت مواقفها من رفض الليبرالية السياسية إلى تبني أنموذجها. فالإسلاميون اليوم ليبراليون اقتصاديا وسياسيا, لكنهم لم يحسموا أمرهم بالنسبة لليبرالية الثقافية. وذلك, لأنهم خائفون من خسارة الميزة الوحيدة التي تميّزهم عن الأحزاب البرجوازية التقليدية. فحالما يتبنى الإسلاميون, الليبرالية الثقافية أيضا, فلن تعود لديهم أية بضاعة فكرية سياسية تمنحهم " القداسة". ولذلك, فإنني مقتنع تماما بأنهم لن يتخلوا عن أسلحة التدخل في حرية الاعتقاد والمذهب والفكر أوفي حياة الأفراد فيما يتصل بالمأكل والمشرب والملبس والسلوك أو في التضييق على الفنانين والأدباء الخ
بالعكس, اعتقد بأنهم سيتجهون إلى المزيد من التشدد في هذه المجالات التخصصية, خصوصا وأن تقاربهم مع الولايات المتحدة وهدنتهم التي ستطول مع إسرائيل, ستجردانهم من ميزة سياسية كانت تمنحهم شيئا من الصدقية في العقد المنصرم, عقد الخصام مع أصدقاء الأمس, وأرجح أنهم سيستخدمون, خصوصا, التحشيد المذهبي ضد الشيعة كخيار دعوي ملائم ومرضي عنه أميركيا وإسرائيليا.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)