حفلت الزيارة الملكية الناجحة الى الولايات المتحدة بالعديد من الدلالات والمعاني ، التي اكدت على المكانة المميزة التي يحظى بها جلالة الملك عبد الله الثاني في الاوساط الرسمية والتشريعية والاعلامية والاكاديمية الاميركية ، كما عكستها التصريحات والاشادات الصادرة عن هذه الاوساط خلال لقاءاتها واجتماعاتها بجلالة الملك . في اشارة الى حجم الاهتمام الاميركي بالزيارة الملكية خاصة انها تأتي وسط اجواء الربيع العربي التي سادت المنطقة منذ بدايات العام الماضي ، اذ نجح الاردن في تطويع هذه الاجواء واستثمارها في تعزيز نهجه الديمقراطي . وبدا انه اطمأن على مسيرته السياسية ومشروعه الاصلاحي بصورة جعلته يمارس دوره الفاعل على الساحة الدولية كالمعتاد . حيث اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما بالعملية الاصلاحية الاردنية مؤكدا على ان الملك عبد الله الثاني يستبق الاحداث في قيادته لمشروع الاصلاح في الاردن .
فقد استثمر جلالة الملك اجواء الزيارة في التأكيد على ان الاصلاحات السياسية التي يشهدها الاردن ، وجدت ارضية معدة لها مسبقا مجسدة في الخطوة الاستباقية التي اتخذتها القيادة الهاشمية قبل بزوغ فجر الربيع العربي الذي سطع فجأة على المشهد الاقليمي. اتساقا مع قول الملك لصحيفة وول ستريت جورنال الاميركية العام الماضي « اما في الاردن فقد حددنا الطريق للمستقبل وعرفنا اين نحتاج ان نتجه .. وانا رجل من طبعي ان اسبق الامور بخطوتين نحو المرحلة التالية حيث علينا ان نطلق حوارا جديدا يتعلق بها « وجلالته هو الزعيم الوحيد في المنطقة الذي يعقد لقاءات قمة مع زعماء العالم وفي المحافل الدولية في اعقاب الثورات الشعبية العربية .
من ناحيته فقد ابقى الاردن على حضوره الدبلوماسي المميز عبر استضافته الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي بهدف كسر الجمود الذي اعترى العملية السلمية منذ فترة . وما هذه الخطوة الدبلوماسية اللافتة والنوعية التي تأتي في الوقت الذي يخيم فيه الجمود والسكون على المشهد الاقليمي ، الذي ما زال يرزخ تحت وطأة تأثيرات الربيع العربي وتداعياته ، الا التجسيد العملي للدور الاردني الفاعل في المنطقة لدرجة جعلت العالم ينظر باعجاب وانبهار الى الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك وهي تفرض حضورها كمرجعية سياسية هامة اثبتت اهميتها وضرورة الرجوع لها والاستئناس برايها في القضايا والاجندات التي تهم المنطقة .
ان الرسالة او الاشارة التي يمكن التقاطها من الجهود الملكية المبذولة على الساحتين الاميركية والعالمية برغم ما تتوشح به خريطة المنطقة من احداث وثورات ، تتمثل في ان القيادة الهاشمية الملهمة التي نجحت في تجاوز تداعيات الربيع العربي ، انما تريد تعميم تجربتها الناجحة في التعاطي الحكيم مع المستجدات التي فرضت نفسها على اجندة المنطقة ، بصورة جعلت هذا التعاطي الاستثنائي موضع احترام وتقدير كل متابع لهذه المستجدات . وبدا ان الاردن يحقق قفزات مشهودة في مجال الاصلاح للولوج الى المستوى السياسي والديمقراطي والحضاري الذي يليق به . ما يؤكد النظرة الاستشرافية المستقبلية التي تتحلى بها قيادتنا الهاشمية التي استطاعت بحسها وحنكتها وبعد نظرها سبر غور المشهد السياسي المستقبلي وما ينطوي عليه من احداث واحتمالات ، احسب انها كانت حاضرة على الاجندة الملكية في تحديد معالم سياسة الدولة الاردنية لمراحل قادمة . وما الربيع العربي الا الفرصة او المناسبة التي سرّعت وتيرة هذا الحراك الاصلاحي في الاردن وتفعيله ، وهو ما اكد عليه جلالة الملك في اكثر من مناسبة بقوله ان الربيع العربي يجلب معه الفرصة لتحقيق الاصلاحات الحقيقية التي كنا نسعى لها .


(الرأي)