أسئلة محيرة في جدلية التجنيس ..
27-01-2012 04:22 AM
تونس - ما الذي يمنع صاحب القرار عن مكاشفة شعبه حول الضغوط الخارجية لتجنيس قرابة مليون فلسطيني؟ وماذا يحول دون اتخاذه إجراءات باتت ملحّة لطمأنة الفلسطينيين والأردنيين القلقين على بلديهما، من أصابع إسرائيل والأمريكيين؟
إلى جانب ملفات الفساد وإنصاف فقراء المحافظات، يتصدر بعبع التجنيس هواجس الأردنيين جميعا. ثالوث ينذر بتفجير الشارع الذي ينتظر طحينا لا جعجعة.
تحت ضغط المقهورين والغاضبين فتح "صندوق باندورا" الفساد، ولا أحد يعرف مآلاته. معالجة أوجاع الفقراء وأصحاب الرواتب المتطايرة تنتظر معجزة مالية واقتصادية، تخرج بند النفقات من تغطية الأجور إلى الاستثمار الرأسمالي – في المكان الصحيح هذه المرة.
الضلع الثالث يبقى معلقا أيضا، وسط تساؤلات عن التردد في حسم لغز التجنيس وقوننة الفصل، سياسيا، بين سكان ضفتي النهر المقدس؟
فرغم تعالي الأصوات المطالبة بحسم هذه الجدلية ورسم حدود الهوية الوطنية، لا يبدو في الأفق أي قرار رسمي لطمأنة الأردنيين – من جميع الأصول – وصيانة حقوق الفلسطينيين في بلادهم.
من الواضح أن صاحب القرار المكبل بالمنح والمساعدات يجاهد في مواجهة مؤامرة أمريكية-إسرائيلية لابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية على حساب المملكة.
فما يدور داخل الغرف المغلقة في البيت الأبيض، لا يباح به في جلسات توزيع الابتسامات أمام الكاميرات.
قدر الأردن في لعبة الأمم ربط مصير جبهته الداخلية بما يجري في الإقليم من إعادة ترتيب أوراق. شئنا أم أبينا، يرتبط الإصلاح السياسي مع مخاض مفاوضات مغلقة النهايات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومآلات الثورة في سورية. فنتانياهو يرفض استحقاق السلام ويسعى لتصدير أزماته إلى شرقي النهر. ضبابية مستقبل الحكم في سورية واحتمالات صعود التيار الإسلامي هناك يلقي بظلاله أيضا على راسم السياسات في عمّان، المتجهة للوقوع بين فكي كمّاشة بين قادة دمشق المرتقبين والقاهرة – مهد الإخوان.
إذا صحت التسريبات حول تلويح الملك بمراجعة معاهدة السلام مع إسرائيل، إن هي أفشلت مبادرة جمع الطرفين في عمان، فإن ذلك يعكس قلق الأردن الكامن وريبته حيال تعنت هذه الدولة ومخططاتها. إحباط مشروع الدولة الفلسطينية، يساوي بالنسبة للأردن خيانة إسرائيلية لمعاهدة السلام.
في واشنطن، دخل باراك أوباما دائرة الشلل فيما يتصل بعملية السلام بانتظار استحقاق الانتخابات. مستشاروه يدفعونه لنقل ترجي تل أبيب إلى الضغط على عمّان حتى يضمن أصوات اللوبيات اليهودية والصهيونية في مواجهة صقور مرشحي الحزب الجمهور المحتملين.
زعيم الليكود في تل أبيب منشغل في ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية وهو يصر على الاحتفاظ بالقدس وشريط الأغوار الحدودي مع الأردن. ويتجه هذا الحزب الراديكالي إلى مراكمة مقاعد إضافية في الكنيست، بما يعزز سطوته. حزب ليبرمان الأكثر تطرفا سيحل ثانيا بعد زيادة عدد مقاعده، يليه العمل ثم كاديما، الخارج من رحم الليكود.
إذا طوق النجاة يكمن في تدعيم الجبهة الداخلية. هل نحن أمام صحوة نخبوية يؤمل أن لا تكون متأخرة في انتظار تحرك رسمي حاسم؟ خلال الأيام الفائتة، لاحظنا تبلور حائط مناهض للتجنيس والتوطين السياسي، فيما يشبه تعاضدا بين أضداد سابقين في الفكر والأدلجة، يلتقون الآن لحماية الأردن وفلسطين في آن. فها هي الصديقة لميس أندوني تنضم إلى معسكر ناهض حتر، قارع ناقوس الخطر منذ سنوات، حين شرّحت مقاصد مبعوثي أوباما إلى عمان عشيّة سفر الملك إلى واشنطن. ونلحظ تماهي كتابات بسام بدارين وماهر أبو طير مع طرح نبيل غيشان ومحمد أبو رمان وغيرهما من المنبهين لمخاطر الإخلال بالمعادلة الديمغرافية هنا وتفريغ الأرض هناك.
مقربون من رئيس الوزراء السابق معروف البخيت ينقلون عنه أنه شرع في مأسسة آليات لحماية الهوية الوطنية مع ضمان صون حقوق حاملي الجنسية (من أصول فلسطينية) من عبث الأهواء الشخصية، لمنفذي الإجراءات والتعليمات. فهل يعقل سحب الرقم الوطني من حفيد أحد أعمدة الاقتصاد في المملكة منذ عقود؟ يافع يحمل عشق الأردن بين ضلوعه وحنين أجداده إلى فلسطين.
أولى خطوات حكومة البخيت كانت إناطة صلاحيات التجنس أو سحب الجنسية بمجلس الوزراء، في مسعى لبناء مصد أمام فوضى التجنيس. لكن هذا القرار علق لاحقا.
بعد هذه الجردة، فليتوحد الصف - فلسطينيون وأردنيون- لحماية الوطنين، في انتظار مكاشفة الناس وابتعاد الحكومة عن المربع الرمادي. وليدعم صانع القرار في مسعى لصيانة الهوية الوطنية، لكن مع التنبه إلى حماية حقوق الأردنيين من أصول فلسطينية، الشركاء في المصير والبناء.
أما السلطة الفلسطينية – التي تترنح بين حجب الدعم والاملاءات السياسية – فعليها إنقاذ الأرض عبر اتخاذ إجراءات سريعة لمنح أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة غير المجنسين في الأردن جوازات فلسطينية (800 ألف و300 ألفا)، فيما يوفر لهم الأردن حق الإقامة والاستثمار بشرط ممارسة حقوقهم السياسية في دولتهم قيد التبلور غرب النهر.