مقولة سيئة تسللت الى الثقافة العربية في عصر الانحطاط, تحاول أن تأخذ موقعها في عالم السياسة والكتابة, الى جانب بعض المقولات المستوردة التي أتى بها غلمان منهزمون تسوّلوا على بعض موائد الحضارات الأخرى, فحملوا الشاذ منها, وحاولوا التميز عن طريق المخالفة, واكتساب الشهرة عن طريق المشاكسة أو كثرة المعاكسات, أو الإدمان على الإثارة.
الكذب صفة مرذولة, تنقص من كرامة الآدمي, وتسيء الى شرفه, وتحط من قدره في المجتمع, لان الكذب مقترن بصفات أخرى مرذولة, مثل الجبن, والبخل وقلة الحياء, وانعدام الضمير, وفقر المروءة, ولذلك عندما يكذب الإنسان فاعلم انه لا يتورع عن اقتراف اكبر المنكرات وأبشع الأفعال وأقبح السلوكات, والمشكلة أن الكذبة الأولى تقود الى الثانية والثالثة, والى سلسلة لا تنتهي من الكذب, من اجل الخلاص من مأزق التناقض وانكشاف الحقائق.
المصيبة الكبيرة أن الكذب أصبح من أدوات السياسة المعاصرة, التي يراد لها أن تكون عدواً للدين والخلق ومجردة من المبادئ, وعندها يبرز الشعار القائل (الكذب ملح الرجال..!!) ليكون الكذب إحدى صفات السياسي الذي يخادع القوم, ويحمل أكثر من وجه, ومن اجل شيء من الغموض الذي يغطي عقدة النقص عند الرجل الفارغ أو المأزوم, ومن اجل التفنن في إعطاء الإشارات المتناقضة لمن حوله, حتى يضفي على المسألة شيئاً من التعقيد والارتباك, الذي يبرر الافتقار الى صفة الحسم والجزم.
أحياناً يأتي امتهان الكذب من اجل التغطية على مسيرة الحياة الفاشلة ومن اجل المواربة عن الاعتراف بالحقيقة القاتلة التي تمثل الضربة القاضية لمنهج ورواية قامت عليها تجمعات وأحزاب وشلل ومصالح وأنظمة ووسائل تكسب وارتزاق, وعدد لا يحصى من الكتب والمقالات والتنظيرات, التي أصبحت رماداً عصفت به ثورة الربيع العربي.
ثورة النهوض العربي التي بدت بوادر نجاحها تزهر في تونس وفي مصر, وبعد قليل في اليمن, سوف تضطر كثيراً من المنظرين والكتاب الى امتهان شعار (الكذب ملح الرجال) وشعار (الطلق الذي لا يصيب بدوش..) وسوف يلجأون الى تلك الكتابات التي تشبه القنابل الصوتية أو الدخانية أو المسيلة للدموع, أو الألعاب النارية التي تلهي البسطاء, وسوق يبقون يمارسون السحر على طريقة سحرة فرعون, حتى تأتي عصا الحقيقة التي تلقف ما يأفكون, وبعدها إما السقوط المدوّي بلا رجعة أو التوبة والعودة إلى الجادة.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)