من قال أن ما سعت إليه ميادين الثورات العربية هو ما آلت اليه الاحوال..وأن ثمن الغضب والدم وسهر الليالي ومواجهة أجهزة السلطة سيؤول الى هكذا نتيجة بعد سنة أُولى ثورة..؟!
أتذكر.. أن الثورات إندلعت من أجل الإصلاح وتحسين ظروف المعيشة ومن أجل أمن وأمان البلاد والعباد ,فماذا حدث إذن؟!
السنة الساخنة الأُولى في مسار الخلاص من عقود القمع والإستبداد, كانت تاريخية بإستحقاق ,وسيظل العرب يتذكرونها لسنين طويلة, إلا أنها ستبقى سنة الفرص الضائعة لكل اولئك الذين حلموا بالنهاية السعيدة التي تربينا على انتظارها بشغف في نهايات أفلام السينما العربية.
سنةٌ حملت لنا الكثير من الدهشة التي أسدلتها على مرآنا ,وأنستنا أن الدهشة لا تكفي, وأن ثمة قضايا عالقة زادت تعقيداً , ليس لأننا قررنا الخلاص من الطغاة, ولكن لأننا نسينا في غمرة العروض المثيرة أن ضريبة مضاعفة قد قُدرت علينا وينبغي أن تُسدد بغياب الوعي والثقة.
إعتصاماتٌ ومسيرات, واحتفالاتٌ بهروب زعيم أو محاكمة آخر, ومزيدٌ من المطالب وانتخابات نزيهة..ماذا بعد؟!
تركت لنا سنتنا الأولى ما تشغلنا به لسنين قادمة دون أن نجد لحظة نتذوق فيها طعم الحياة بلا استبداد, فماذا عن تلك الطبقة من الانتهازيين الجدد الذين قطفوا ثمار الهتاف وأدركوا مبكراً كيف تُلعب الأدوار وتُؤدى اللعبة في هكذا أوقات, فيما أولئك الذين بُحت أصواتهم يعودون إلى المربع الأول في آخر الصفوف.
ثم أطلت بذور الفتنة بإلحاح لتنعق في الخراب وتشي بحروب أهلية قادمة لا محالة , , هكذا مرة واحدة أصبحت جملة بلدان عربية آيلة للسقوط في فخ التموضع وراء الرهانات الخاسرة والخندقة وحروب الإتهامات والتخوين تمهيداً لمشاريع هذه الحروب.
ثم تغير منهجنا في قراءة ما يجري, وأصبحت الطائفية والمذهبية والإقليمية هي أساس حواراتنا,وإلا فماذا يجري الآن في العراق تحضيراً لحفل الحرب الأهلية القادم على ما تشي به الأوضاع التي بدأت تتفاقم فقط بعد مغادرة آخر جندي أمريكي ؟
مصر قضت سنتها الأُولى وهي في أسوأ أحوالها السياسية والأمنية على الإطلاق فيما القوى الكبيرة في الشارع تنهش في جسد الأمة المصرية بمكوناتها التاريخية التي بقيت عصية وحَية رُغم تفقد النظام السابق لها عدة مرات بالضربِ عُمقاً من أجل بقائه.
تذكرتُ وأنا أُتابع افتتاح مجلس الشعب المصري أن أسأل نفسي..من أجل ماذا قامت الثورة أصلاً؟ وماذا جرى ليافطات الحرية والإصلاح التي انهك حملها الثوار على مدى أيام التحرير, حتى إندفع أحد الشباب للشكوى للريس أن إرحل " إيدي وجعتني"!
نحن أيضا قضينا أوقاتاً عصيبة تصلبت فيها شراييننا امام الشاشات التي لم تنطفىء, أوجعتنا قلوبنا أيضاً على حقائق مؤلمة لم نتلامس معها قبل يناير تَمسُ الظُلم والطغيان وإنتهاك الحرمات وكرامات الوطن والمواطن.
فهل على الثوار بعد إنقضاء سنتهم الأُولى من الثورة ان يتنحوا جانباً للاعبين الجدد , أم أن يعودوا الى الميدان بعد أن إكتشفوا أنهم ومطالبهم "خرجوا من المولد..", أم أن عليهم أن يخلدوا لبيوتهم كما تطالبهم قوى سياسية أدركت اللعبة فأتقنت فن الحصاد, وأرادت الأن أن تستبدل الحزب الوطني الحاكم المتفرد ,باحزاب اخرى متفردة لتصنع فراعتنها الجدد بهيئة أُخرى..؟!
سألت نفسي وأنا أرى السفيرة الأمريكية في عقر دارالإخوان المسلمين بالقاهرة, كم تغيرت الدنيا في سنة أُولى ثورة , فكيف ستكون الأحوال عند التخرج..؟!