قراءة في شهادات الثوار : الثورة ولادة وليست صناعة
حسين الرواشدة
26-01-2012 03:20 AM
فيما خرج المصريون امس لإحياء الذكرى السنوية الاولى "لثورتهم، انشغل الاعلام المصري على مدى الايام الماضية بالاجابة عن السؤال/اللغز:كيف حدثت الثورة؟.
معظم الذين سمعت شهاداتهم، من الذين احتشدوا في "ميدان التحرير" وغيره من الميادين على اختلاف اتجاهاتهم السياسية، اكدوا انهم لم يتوقعوا ان يحدث ما حدث، وانهم حين خرجوا للمشاركة في الاعتصام الذي تزامن موعده مع "عيد الشرطة" لم يكن يخطر في بالهم ان يرفعوا شعار "اسقاط النظام" وبالتالي لم يكن هدفهم القيام "بثورة" انما الاحتجاج على الظلم والفساد والمطالبة "بتصحيح" المسار.
الثورة - اذن - جاءت "فجأة" وبلا اذن او ترتيبات خاصة، ولم يكن بمقدور احد ان يحدد ساعة "ولادتها"، ومن يتابع "المراجعات" الاعلامية التي "وثقت" لايام المظاهرات، وكذلك المواقف السياسية، سيدرك بان النظام، بكافة اجهزته، تعامل مع "المسألة" باستهتار، وظل على مدى الايام العشرة الاولى - على الاقل - مطمئنا الى قدرته على تجاوز ما حصل، والخروج منه باقل ما يمكن من تنازلات وخسائر.
حين تدقق فيما حصل في مصر، وقبلها في تونس، ستجد بان اسباب الثورات ودوافعها كانت موجودة ومفهومة، وبان الاجابة عن سؤال لماذا قامت الثورة؟ اسهل بكثير من الاجابة عن سؤال: كيف قامت؟ ذلك انه من الطبيعي في الحسابات السياسية والاجتماعية ان تحدد الاسباب التي تدفع الناس الى الغضب والاحتجاج، لكن من الصعب ان تحسم "كيفية" حدوث الثورة وقبل ذلك من الصعب ان "تستبق" هذه اللحظة بأية اجراءات، بل لتثبت بان معظم هذه الاجراءات صبت في اطار التعجيل بالثورة بعد ان شكلت "استفزازا" للشارع ودفعته الى مزيد من الاحتشاد والغضب والى رفع سقوف مطالبه ايضا.
في كتاب "يوميات الثورة المصرية" يروي بعض الشباب الذين شاركوا في الثورة شهاداتهم الميدانية لما حدث، احدهم ذكر بان المصريين قبل 25 يناير انقسموا امام سؤال: هل يمكن تكرار سيناريو تونس في مصر؟ النظام بالطبع رأى نفسه محصنا، لكن يبدو انه كان لدى الناس امل ما بالتغيير، (الثورة ما زالت حلما)، وبينما كان الانقسام واضحا في الاعلام وعند النخب، كان هنالك في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي يقين مختلف، اشعله خبر "مواطن" اشعل النار بنفسه ثم لحق به شخصان اخران، ثم ثلاثة شهداء سقطوا في "السويس" على يد قوات الشرطة.
المسافة بين الاحتجاج وبين الثورة لم تكن واضحة، والخطوة التالية التي ظل المحتجون يفكرون بها ظلت "معلقة" بمجريات الحدث وتطوراته، والنظام الذي استيقظ "فجأة" على المشهد وهو يتحول لحظة بلحظة، ويتدحرج مثل كرة الثلج، حاول ان "يتكيف" مع الصدمة، لكنه في كل محاولة يكتشف بانه بدأ يخسر، وبأن اعادة عقارب الساعة للوراء اصبحت مستحيلا.
في الشهادات بدأت تؤرخ الايام "الثورة" ومجرياتها، ثمة ملاحظتان مهمتان: اولاهما ان احدا لا يستطيع ان يتنبأ بالثورة واذا ما تدحرجت كرتها فانه - بالضرورة - لا يستطيع ان يوقفها مهما فعل، وبالتالي فان الثورة ولادة وليست صناعة، وهي ايضا فعل عضوي متصالح مع التاريخ وتأتي في وقت لا يمكن معاندة التاريخ فيه او تجاوزه، اما الملاحظة الاخرى فهي ان احدا لا يستطيع ان يهرب من "سجلات" وقائع التاريخ حين تكتب الثورة شهادتها، لا النخب ولا الناس ايضا، ومن يطالع مانشيتات الصحف ووسائل الاعلام المصرية، ومواقف النخب على اختلافها، خاصة تلك التي انحازت للنظام وروّجت له، لا بد سيفهم كيف "تحكم" الشعوب على المواقف.. وكيف يصعب على "الضمائر" ان تكتب شهادة ولادتها من جديد.
(الدستور)