من ناحية نظرية, الربط بين مسألتي عدالة التمثيل والتمثيل السكاني في الانتخابات النيابية قضية طبيعية في معظم الدول, ولكن في الأردن, حيث لم يحسم جدل الهوية, يصبح رفع هذا الخيار طريقا ملغوما, يزيد من المخاوف والشكوك المتبادلة, بين فئات المجتمع الأردني, وبالتالي مصدرأ للتأزيم وشكلا من أشكال صراع على الحقوق والمكاسب.
لست هنا بصدد طرح حل نهائي, ولكن من واجبي ككاتبة أن أحاول عرض وجوه المشكلة,وأقدم رأياً, من أجل المساهمة في إرساء قواعد حوار هادئ,على الأقل, قضية خلافية حساسة من هذا النوع.
فأساس النظم الانتخابية-وتقسيمات الدوائر الانتخابية- أنها تحاول التوصل إلى صيغة لتحقيق عدالة التمثيل لجميع فئات المجتمع, ولكنها أيضا تسعى إلى وضع أسس لحل مشكلات مجتمعية, من اجل ضمان التعددية والتوافق الوطني, بالطبع هناك إجراءات أخرى تتخذها الدول لمعالجة الشروخ المجتمعية والفئوية, لكن تبقى النظم والقوانين الانتخابية أدوات مهمة في بناء الانسجام المجتمعي, أو في تعميق الشرخ الوطني.
معارضة التمثيل السكاني في الأردن, وبصراحة, هي مؤشر أزمة جدية, تعكس خوف فئات المجتمع من هيمنة فئة أو مكون على الفئات الأخرى, فهناك خوف من أن يؤدي تمثيل برلماني يعتمد الكثافة السكانية, إلى أغلبية, أو على الأقل إلى تمثيل أكبر, للأردنيين من أصل فلسطيني, أو للإخوان المسلمين, أو لسكان المدن الكبيرة, على مجلس النواب, وبالتالي على فرض السياسات, أوتقاسم النفوذ وتوزيع الثروات الوطنية.
وبغض النظر, إن كانت هذه المخاوف واقعية أو مبالغة, فهي مخاوف حقيقية, تقابلها مخاوف, عند فئات من الأردنيين من أصل فلسطيني, أو سكان المدن من أن لا يعكس المجلس النيابي مصالحهم ولا يحمي حقوقهم.
الخطير في الموضوع هو أننا وصلنا إلى مثل هذه المستوى من التفكير و الخوف إلى درجة أن الكثير من التمثيل الحقيقي يعتمد على أصول النائب وهويته الفئوية أو العشائرية, وهذا دليل على فشلنا في بناء مجتمع مدني ناضج , يُغلب المصالح الوطنية على المصالح الفئوية.
قوانين الانتخابات السابقة, وبالأخص قانون الصوت, ساهم في تعميق الهوية الفئوية, ولم تلق تحذيرات المختصين, والساسة, بالأخص من المعارضة, أي صدى عند صانع القرار, فأصبح, وكما تنبأ الكثيرون, البرلمان مجلس خدماتي, خاصة في ظل غياب السياسة التنموية في المحافظات, وبالتالي تعمقت الهويات الفئوية.
كان من المعروف ان إقرار نظام الصوت الواحد, كان يهدف إلى تقليص نسبة تمثيل المعارضة بشكل عام, والإسلامية بشكل خاص,لكن عدا أنها كانت طريقة "قانونية" للتلاعب بنتائج الانتخابات ولكنه من المشكوك أنها أثرت في النفوذ الحقيقي للحركة الإسلامية, والنتيجة صبت في صالح التفكيك المجتمعي.
ولم يحل نظام الصوت الواحد جدل الهوية, وان كان ساهم في تقليص تمثيل المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية, وهنا نأتي الى نقطة جوهر الخلاف على التمثيل السكاني.
فالمسألة الأساسية, التي تجب مناقشتها, بعيدا عن التعصب الإقليمي, هي معالجة الأسباب التي أوصلتنا إلى مرحلة تساوي بين التمثيل السياسي في الأردن وبين التمثيل الإقليمي الفئوي, وتشريح العوامل التي أدت إلى نمو القناعة الخاطئة والمشوهة أن تمثيل المواطن الأردني في مجلس النواب يعتمد على هويته الإقليمية لا السياسية.
نعم نعترف أن هناك خوفاً من التهديدات الإسرائيلية من الوطن البديل, ونعم إن هناك تداخلا بين الهويتين الأردنية والفلسطينية, ازدادت التباسا بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية و قرار فك الارتباط.
المسألة أبعد من قوننة فك الارتباط, التي يطرحها البعض كالحل النهائي لمشكلة التباس الهوية , فيجب أن نعترف أن الخوف بين مكوني المجتمع سيبقى موجودا حتى ان تمت دسترة فك الارتباط, إذ أن هناك شكوكا ومخاوف بين الأردنيين من طغيان "فئة على أخرى" حتى لو اقتصرت المواطنة والجنسية على من كانوا مجنسين قبل قرار فك الارتباط.
لذا فإن الحوار حول التمثيل النيابي يجب أن يضع في أولوياته, تخفيف هذه المخاوف بقصد بناء هوية وطنية موحِدة, وبناء عقلية جديدة تؤهلنا مجددا الى انتخاب ابن الكرك والطفيلة في منطقة كثافة فلسطينية في الأردن ونائب أردني من أصل يافاوي, في منطقة تواجد كثافة من أصول شرق أردنية,وصولا الى إنهاء هذا التعريف من قاموسنا السياسي, أفضل الموجود هو الأساس الذي وضعته لجنة الحوار الوطني باعتماد التمثيل النسبي, الذي يضمن التعددية وتغليب البرامج السياسية على الهويات الفئوية.
العرب اليوم