من هو المتهم بنظر الحكومة
فايز الفايز
28-09-2007 03:00 AM
منذ أن كنت طفلا رضيعا يبحث عن صدر الحرية في منازل الصحافة ، لأرتوي من ثدي الإيمان ، فكرا يقيم أود الكلمات لزمن قادم ، لم نحسب إننا سنعيشه بعدئذ ، بكل تفاصيله المأساوية ، فيها الكثير من البكاء ، والقليل من الابتسامات ، لنتبرع بألسنتنا كل يوم للمتحف الوطني ، ولكنه لم يقبلها حتى الساعة ،
كنت دائم الشغب ضد " العوَج " ، وأسجل غضبي الذي أزعم إنه لن ينتهي ، مادام في رأسي عقل ، وفي قلبي حب أوسع من الفضاء لوطني وأبناءه من شتى مشاربهم ، وسبب الغضب الذي لا يهم الحكومات بشيء ، هو استسخاف الحكومات بعقلية أبناءه الذين كادوا ان يكونوا مومياءات ، وهم يحفرون بأقلامهم ، ويدهنون بألسنتهم معاجماً تترجم واقع الحال للمواطن البائس ، وللمثقف المخذول ، وللسياسي الحصيف ، حيث يأتي مسئول ما ليجر ملايين العقول الى حضيض اللا شيء !
من هو المتهم بنظر الحكومة ؟ .. الجواب في هذه الحكاية الطريفة ذات المغازي :
كانت الغابة ترزح تحت تحكم مجموعة من أصحاب الأهواء .. وبينما كان الغزال يلملم بين شفتيه بعضا من العشب في أطراف الغابة ، وإذا بالثعلب ( ابو الحصين ) يمر من عنده مرور السهم ، مطلقا قوائمه للريح ، فناداه الغزال متعجبا : الى أين يا أبا الحصين .. فرد عليه الثعلب .. أهرب .. أهرب ، ولا تسأل !
ولأن الغزال لا يستأمن الثعلب ، سأله ، أهرب الى أين ولماذا أهرب ؟ .. فرد الثعلب : ألم تسمع بقرار مجلس السباع ؟ .. لقد اجتمع مجلس السباع ، وأصدروا قرارا يقضي ، بأنه في حالة القبض على الحمار سوف يتم تحميل جميع حطب الغابة على ظهره ، بسبب غضب المجلس عليه !
فرد الغزال : القرار يخص الحمار .. ونحن ما هو ذنبنا حتى نهرب ، يا سعادة الثعلب ؟
فرد الثعلب : " يا أبني .. إذا مسكوك ، من هون حتى يقرروا إنك حمار أو غزال ، يكونو محملين كل حطب الغابة على ظهرك " !
هذا يا سادتي هو حال الحكومة ومتهميها ، فحتى تثبت براءتك ، تكون قد خرجت عن حدود عقلك ، ووطنيتك ، وثقافتك ، ونزاهتك .. وتبقى طوال عمرك ،إشارة لكل أصبع يحاول ضرب الأمثال .
الصحافة الجادة بشكل عام أصبحت اليوم في مهب العاصفة ، وتشغيل العقل في تصحيح الوضع أصبح تهمة ، والمشكلة إن الصحف ورقية كانت أم الكترونية ، لا تبيع المخدرات ، ولا تروج للإرهاب ، ولا تسوق للرذيلة ، ولا تشجع على تلويث المياه ، ولا تسميم الأغذية ، ورئيس تحرير أي صحيفة ، أو صحفييها ، لا يأخذون رواتبهم من أموال العامة ، ولا يحظون بمكافآت ظاهرة وعلنية ، مصدرها الموازنة العامة .. إلا مرتزقة الصحافة ، وماسحي أحذية أصحاب العطايا ، وأصحاب الغايات ، بعكس مستشاريها الذين لا يستشارون إلا في الفزعات ضد الأصوات الحرّة أينما كانت .. فلماذا تبقى الصحافة مادة دسمة تستهدفها شرائح الحكومة ، ومجالسها النيابية التي تخرج من عباءتها ؟
الصحافة بكافة أشكالها ، هي سلطة رابعة حسب المفهوم المحترم ، وهي شريك أساسي في العملية الرقابية ، وعضد للحكومة في الكشف عن تقصير المقصرين ، فإذا كممت أفواه الصحف ، فمن أين ستسمع الحكومة الى النقد البنّاء الذي يساعدها في كشف عوراتها بين الحين والآخر ؟
تنقل أخبار أبناء عمنا في الصين إن الزعيم الصيني " ماو تسي تونغ " زعيم الثورة الثقافية ، والحاكم لسدس سكان الكرة الأرضية فيما مضى من الزمان ، يقال إنه كان يبعد كل من يمدحه ويغدق عليه بالثناء ، في الوقت الذي يحاول ان يستقطب حوله كل من يناكفه في النظريات والسلوك العملي الخادم للحزب والشعب .
هنا يجب ان تعرف حكومة الجنرال أبو سليمان الطيب ، إن من يسير في النهار ، ليس كمن يسير في حلكة الليل البهيم ، ولهذا يجب أن تعلم ، ان التهم بناء على النوايا ، ليس من العدالة بشيء ، ولا من حركات التصحيح ، أما الفقرة القانونية ومفادها إن القانون لا يحمي المغفلين ، المستخفة بالبراءة ، فهي خطأ ظاهر ، وإذا فإن الطريق الى جهنم مليء بالنوايا الحسنة !
حكمة قديمة يجب أن تتذكرها الحكومة ، أي حكومة تفرض آراءها على بني البشر ، وتعلن احتلالها الفكري لهم الحكمة تقول :
تستطيع ان تجرّ الحصان الى الماء ، ولكن لا تستطيع ان تجبره على الشرب !
Royal430@hotmail.com