لا نتطلع الى مصالحة تاريخية مع الفساد ولكننا نرفض ان يمثل « شعار محاربة الفساد « اداة لتصفية الحسابات وتمزيق المجتمع، واشعال الفتن بين الناس، واذكاء التجاذبات الاجتماعية، والسياسية بين ابناء الوطن الواحد .
الاجماع الذي توافقت عليه القيادة السياسية مع قوى الحراك الشبابي على محاربة الفساد لابد له ان يأخذ اطارا وطنيا ولا يكون فريسة للارتجال والتصيد من مختلف القوى .
فثمة اجماع وطني على ان اهم مدخل لولوج بوابة الاصلاح الشامل هو محاربة الفساد والمفسدين وتطوير النظم الادارية او المالية، وتعميق مفهوم الرقابة على المال العام واوجه انفاقه لما لآفة الفساد من تأثير على فقدان ثقة المواطن بالدولة واضعاف سيادة القانون وتأخير التنمية السياسية والاضرار بمبادىء الحاكمية الرشيدة وضعف حجم الاستثمارات وتراجع المنح والمساعدات وضعف القيم الاخلاقية وانتشار الجريمة وشعور المواطن بالظلم وانتشار الحقد والكراهية.
الا ان تكييف قضايا الفساد، والتحقيق فيها ضمن اسس تراعي العدالة للمتهمين في اطار القانون واصول المحاكمات يستلزم اجراءات دقيقة ومعقدة يكون من الصعب معها اشباع عطش الشارع نحو زج الفاسدين في السجون .
فليس كل ما نسمعه عن قصص الفساد صحيحا وغالبها يكون مبنيا على شائعات واقاويل ونكايات يصعب ملاحقتها .
فها نحن نسمع يوميا عن مئات القصص وبمبالغ تصل الى مليارات الدولارات فمتى حصل كل هذا الفساد في مشروعات لا تتجاوز ميزانياتها الخمسة ملايين دينار؟ .
نحن متأكدون بان التحقيقات الحصيفة ستقود الى اكتشاف اسس الفساد خصوصا تتزنر بارادة سياسية ودعم منقطع النظير من قبل راس الهرم السياسي في البلاد فلا احد فوق المساءلة مهما علا شأنه وهنالك امثلة حية على جدية الدولة بمعاقبة الفاسدين .
ولكنه لا يعقل ان تنجر الهيئات المعنية بمكافحة الفساد والاعلام خلف هتافات يطلقها بعض المفصولين من الشركات ضد من اتخذوا قرار الاستغناء عن خدماتهم ليتهموهم بالفساد في محاولة لتأليب الرأي العام ضدهم .
وبنفس الوقت الذي نقر فيه حق البرلمان بالمساءلة والرقابة الا اننا لا نقبل جرنا وراء مصالح بعض النواب واهوائهم في ممارسة المناكدة السياسية ضد بعض المسؤولين الذين رفضوا تعيين اقاربهم ومحاسبتهم .
فلجان التحقيق في البرلمان بحاجة الى وقفة تأمل ومراجعة لتنفي عن بعضها شبهة التصيد والابتزاز وتسديد الحسابات . وهو أمر منوط برئاسة المجلس والمكتب الدائم، ذلك انه ليس كل النواب مؤهلين لاجراء مثل هذه التحقيقات التي تتطلب خبرات قانونية ومحاسبية وترك هذه القضايا لاصحاب الاختصاص والدراية والمهنية .
وجميعنا يعلم ان توقيع اكثر من نائب عريضة معينة للمطالبة بلجنة تحقيق لا يعني بالضرورة قناعة الموقعين بمضمونها وانما يندرج الامر في اطار المجاملات والخواطر وتسديد الديون .
« موجه محاربة الفساد « التي ركبها الكثيرون حققت اهدافا شخصية بالنسبة لمن وراء بعضها ، ولكنها تمثل اكبر خنجر في خاصرة الوطن ان لم تكن ضمن سياق وطني.
هنالك الكثير من التبرعات التي اعلن اصحابها نيتهم دفعها لبعض المشروعات الاردنية، لم يكن اخرها تبرع بانشاء كلية للعلوم بجامعة الطفيلة تم التراجع عنها بسبب هذه الاجواء المحمومة وكذلك الكثير من الاستثمارات تم التراجع عنها.
ان الحرب على الفساد ان لم تكن مبنية على اسس وطنية وقانونية صارمة فانها تتسبب في اكبر كارثة وطنية سيدفع الجميع ثمنها اجلا ام عاجلا.
الاردن لا يقبع على بركة من الفساد، وهو موجود فيه كما في البلدان الاخرى ويجب محاربته واجتثاثه .
على الحكومة ان ترشد من تصريحاتها فيما يتعلق بالفساد لارضاء مجموعة من المتظاهرين وكذلك على مجلس النواب ان يحتكم الى ضمير وطني في تشكيل اللجان والاعلام ايضا، معني ايضا بتقصى الحقائق قبل نشرها « لغاية في نفس يعقوب» وهيئة مكافحة الفساد صاحبة الولاية على هذا الامر يجب ان لا تسمح لاحد بالتغميس في صحنها فلديها قانون يمكنها من التحرك بكل مرونة وعندها الدعم الذي يتيح لها محاسية اكبر «الرؤوس» وذلك حتى لا تتحول موجة مكافحة الفساد الى تسونامي يدمرنا جميعا .
الدستور