الطبْع و التطبّع
الأرجح على الظن أنّ طبْع الحكومة العرفي قد غلبَ تطبّعها الديموقراطي؛ فالقرار الأخير الذي يفرض رقابة على المواقع الإلكترونية يشي برائحة استبدادية تطلّ برأسها من كلمات الخبر المنشور عن الموضوع؛ فالخبر إيّاه يحتوي على كلمات و تعابير غرائبية عجائبية «تغرف» من مَعين الأنظمة الشمولية التي كانت سائدة في الحقبة الستالينة «الميمونة». ذاك أنّ كلمات من مثل: «تجاوزات مسيئة» و «متابعة و تدقيق و محاسبة»، هي أقرب إلى لغة السجون و العسس منها إلى لغة «ناطق إعلامي» مزعوم و مستبد حقيقي. «كلّه عند العرب قانون»
و لا يشكّ الناطق إيّاه في أنّ «الأمر يتعلق بتطبيق القانون». و هو يحسب أنّ استعمال كلمة «قانون» يُضْفي شرعية على الإجراء العرفي المُتّخَذ. فإذا عرفنا أنّ الحكومة وصلت إلى الحكم على رغم الشعب، و من دون إرادته و اختياره، و من طريق نِصاب متعالي و مفارق، و ليس من طريق الصناديق؛ تراءى لنا تهافت و زيف المزاعم «القانونية» التي ساقها مدير «دائرة المطبوعات و النشر»؛ و لمّا كان القانون لا يستوي قانوناً إلا إذا صدَرَ عن مرجعية فوق الشبهات (على قولٍ راجح السياسة)، أمكننا الزعم أنّ «قانون» صاحبنا ليس سوى نصٌ ملفّق على عجل، و يلابسه الكثير من الريبة، حتى لا نقول البطلان. و على نحو ما يقول الظرفاء في أنّ «كلّه عند العرب صابون»، يسعنا - بقليل من التفننن - القول أنّ «كلّه عند العرب قانون».
لغةٌ تقول و لا تقول
و «القانون» المذكور، إذا أصرّت الحكومة على غيّها و لم تتراجع عنه، قد يؤسس للغة صحافية تقول كلّ شيء دون أن تقول أيّ شيء. و اللغة هذه، تلغي الفاعل و تستعيض عنه بنائب الفاعل، و تغلب عليها الأفعال المبنية للمجهول، و التراكيب الهلامية و التعابير الفضفاضة المفعمة بالتهريب و التمويه و التلفيق. و اللغة الخشبية هذه، التي تقوم من الإعلام الرسمي مقامَ الركن المكين، ثبتَ فشلها و عقمها بالتجربة و المثال؛ و أعلنت بصوت مدو ٍ تعفّنَ الإعلام الرسمي و عبثيته؛ لأنها لغة مصفّدة بقيود العجز و الرعب، و تفتقد لأبسط مقوّمات اللغة الإعلامية الحقيقية. و غنيّ عن القول و البيان أنّ الإعلام الرسمي بات عبئاً ثقيلاً على الدولة و الشعب؛ فالإعلام هذا، الذي يدفع أفراد الشعب الضرائب لدعمه، لم تزحزحه هذ الضرائب قيد شعرة عن تخلفه العميم، و بؤسه المقيم. بل ربّما كان العكس هو الصحيح؛ فكلما تلقى دعماً ازدادت ركاكته، و ازداد ازديادها رثاثة. و كلّما ازداد تبرّم و تذمّر الشعب منه، ساق أصحابُه مبرّرات و أسباب من مثل «قلة الدعم و ضعف الإمكانيات». هكذا يغدو مثله كمثل ذاك الذي إنْ تحمل عليه يلهث و إنْ تتركه يلهث.
السياسة و الميتافيزيقيا
غير أنّ الغريب (أو بالأحرى العادي و الطبيعي) هو أنّ «السياسين» و «أمناء الأحزاب العامين» لم ينطقوا كلمة حول «القانون» الديناصوري. و مردّ السكوت هذا، قد يكون أنّهم يرَون إلى «القانون» المذكور كقضية لا تستحق الإلتفات إليها؛ فهي قضية تنتمي إلى «السفاسف و الصغائر»، فيما هم مشغولون بــ«القضايا الكبرى» من مثل «الثوابت القومية»، و هذه الأخيرة هي إحدى «مبادئ» «التيّار الوطني». و لعلّ أصحاب القضايا الجليلة هؤلاء، لا يعرفون أنّ «الصغائر» هذه، هي السياسة الحقيقية بمعناها العلمي و الفكري. و قد لا يعرفون كذلك، أنّ «الثوابت القومية» هي قضية ميتافيزيقية، مثلهم تماماً. و قد يصحّ في هؤلاء «السياسيين» ما قاله أحد أصحابنا، في أنّ «السياسة» عندنا «ليست سوى نقض مستمر على السياسة»!
التفاهة و التعاسة
و قصارى القول و غايته أنّ «القانون» إيّاه هو عَوْدٌ على بدء الكهف. و هذا الأخير هو سكنُ و موئل القادمين من التاريخ. و آية ذلك أنّ أصحاب «القانون» إيّاه يرَون إلى المواطن ككائن سلوكي غرائزي، و ليس ككائن عاقل يسعه التفكير و التدبير و الاختيار؛ ذاك أنّ العقل بالنسبة لهؤلاء الشطّار ليس أكثر من «أداة» لتّلَقّي التعاليم و المواعظ المفروضة عليه من عل ٍ، و على رغمه. و هم لا يكتفون بالسكن الهانئ و السعيد في الكهف؛ بل يطلبون من الآخرين الذهاب مذهبَهم و النحو نحوهم. و هذا نحوٌ بائس، و ذاك مذهبٌ كالح، مثل وجوه أصحابه، و تقيم فيه تعاسة العقم السوداء؛ تلك التعاسة التي تستحيل معها الصحافة في عام 2007 إلى تفاهة بلا قاع. و بين التفاهة و التعاسة، ينتصب العفن عَلَماً و مَعْلماً؛ فهلمّوا إلى الكهف!
hishamm126@hotmail.com