عندما اعلن نيقولا ساركوزي تعليق العمليات العسكرية في افغانستان, صفق كثيرون لما اعتبروه هزيمة اطلسية في افغانستان وكذلك حصل عندما حصل الانسحاب الاميركي من العراق.
غير ان ثمة من راى في الامرين, تحررا من وجود عسكري انتهى من تحقيق ماربه السياسية, والتفرغ لتدخل عسكري جديد من شانه ان يحقق مارب جديدة.
فالخروج الامريكي من العراق, وان كان نسبيا, هو في واحد من وجوهه اطلاق اليد الاميركية في المنطقة دون التخوف من دفع الثمن في العراق?
كذلك فان الخروج الفرنسي من افغانستان, قد يسهل على باريس عملية التدخل العسكري في سوريا وفي افريقيا.
وقبل ان يتعب المحللون انفسهم كثيرا, جاء كلام النهار الفرنسي على لسان وزير الدفاع, ليمحو كلام الليل على لسان الرئيس.
كان واضحا ان هذا التراجع جاء نتيجة لرد فعل مباشرين: الاول هو رفض هيلاري كلينتون لاي انسحاب فرنسي من كابول, مذكرة باتفاق ليشبونة الذي التزم فيه حلفاء واشنطن بالبقاء في افغانستان حتى .2014 والثاني هو اعتبارات الحملة الرئاسية لساركوزي, حيث كان هذا الانسحاب سياتي بمثابة هزيمة تمحو ما يتاجر به الرئيس من انتصار في ليبيا, كما تمحو الادعاء الملازم بان الافغان, كما الليبيين, ينظرون الى فرنسا, بفضل ساركوزي, بمحبة وتقدير كبيرين.
اما في الجانب الاميركي, الذي ما زال - على ما يبدو - صاحب القرار, فان الاستراتيجية الجديدة لواشنطن, والتي كانت في اساس تخفيض الميزانية العسكرية اعتمدت على امرين : الاول هو العودة الى اسلوب الحرب الناعمة, أي حرب الاستخبارات وحرب الاقتصاد. والثاني هو تحميل الحلفاء مسؤولياتهم على كل الاصعدة, واولها العسكري, ووضع نقطة وقف لترك الامور على كاهل واشنطن, في كل بؤر التوتر العالمية وحتى في اوروبا نفسها.
والسؤال الان : هل سيكون هذا التطور الاستراتيجي استبعادا للتدخل العسكري في منطقتنا, وتحديدا في ايران وسوريا? ام تعميما له
(بمعنى اشراك كل مكونات الاطلسي فيه)?
ربما لا يستطيع احد الحسم بشان الاستبعاد, ولكن الإشراك الالزامي هو الامر المؤكد, اذا ما حصلت الواقعة. ولذلك يبدو وجود بعض المؤشرات التي ترجح الاستبعاد, وهي تتراوح بين التصريحات الكبيرة من مثل تاكيد اوباما ان العقوبات تفعل فعلها في ايران, وبين التسريبات الاعلامية, من مثل تاكيد الصحافة الفرنسية مسؤولية الجيش السوري الحر عن قتل الصحافي الفرنسي جيل جاكييه في حمص وبث التلفزيون الفرنسي لمقابلة مع الصحافي اللبناني جوزيف عيد ( ا.اف.ب) الذي كان يرافقه الذي اكد بدوره ان الصواريخ انهالت على المظاهرة المؤيدة للاسد من حي باب الصباح حيث يتمركز الجيش الحر. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان المقال الطويل المفصل حول الموضوع هو بتوقيع جورج مالبرونو, المقرب من دوائر الاستخبارات الفرنسية, فان نشره لا يمكن تفسيره بمجرد الموضوعية الصحفية. خاصة ان مالبرونو الذي يتقن العربية يقول ان مسؤول منظمة حقوق انسان في حمص قال له انها ( جحشنة ) وقد كتبها كما هي بين قوسين.
غير ان مالبرونو, العريق في علاقاته بالمنطقة, وبتسريب الاخبار الاشكالية التي تخصها ( اخبار العراق ومن ثم المحكمة الدولية مثلا ) لا يستعمل في تقاريره اسم حي او مدينة او مجموعة الا ويردفها بصفتها "السنية" او "العلوية" مع ما يعنيه ذلك من اثارة النعرات التي تؤجج احتمالات الحرب الاهلية. وما ذاك الا بند فعّال في "الحرب الناعمة" التي اشرنا اليها التي تتقنها فرنسا لانها الاكثر عراقة فيها.
ان لم اقتلك بالسيف فبالسم, وكله تحت ادعاء الحماية والانقاذ, ومن ثم الادعاء بان المقتول سيموت من حب القاتل. هكذا ادعى المحتلون في افغانستان, وهكذا عبروا عن الصدمة الكبيرة بان يقتل جندي افغاني جنودهم, والاغرب ان الاعلام العسكري الفرنسي قال ان هذا الجندي خان رابطة الدم (لان الفرنسيين بذلوا دمهم في افغانستان) هكذا...
(العرب اليوم)