هناك عاملان يلعبان فى عملية صنع القرار السياسى، هما أولاً القناعات الشخصية لصانع القرار، أى رؤيته للواقع و مقدار فهمه للمعطيات المتوفرة. و العامل الثانى هو المعلومات التى يحصل عليها صانع القرار سواءً كانت من مصادر علنية أو سرية.
يلعب عامل القناعة الشخصية دوراً كبيراً فى عملية صنع القرار، خاصةً فى تلك الأنظمة التى لا تتوفر فيها دور المؤسسية، و تقتصر فقط على فرد أو مجموعة محدودة من الأفراد و المستشارين، مما تخرج بقرارات غير دقيقة، و ربما تؤدى إلى نتائج عكسية و وخيمة لأسباب شخصية أو ذات أهداف غير واقعية. و يظهر دلك أيضاً فى أوقات الحروب و الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، حين تتجمع كل خيوط صنع القرار فى يد فرد واحد، حيث تقتضى سرعة مواجهة هذه الظروف التى تتميز بالتغير السريع بحيث يتم اتخاذ القرار الحاسم فى أقصر وقت ممكن، و لو أدى ذلك إلى التضحية ببعض العناصر التى يتطلبها القرار الدقيق.
و قديماً كانت الحكمة العسكرية تتطلب من القائد فى المعركة سرعة اتخاذ القرار على أساس أن القرار السليم الذى يصل إليه القائد بعد فوات أوان تنفيذه هو قرار فاشل، أما إذا اتحذ قراراً خاطئاً و لكن بسرعة و تم تنفيذه بقوةً و حسم، فإن احتمال نجاحه أكبر من الأول.
و خطورة اتخاذ قرار فردى خاطئ سيورط البلد كلها فى مشاكل تدميرية يستمر أثرها إلى أجيال قادمة. و الفارق بين القائد العسكرى و القائد السياسى فيما يتعلق بصنع القرار، يتلخص فى أن الأول يتخذ قراره تحت ضغط عصبى و نفسى، يؤثر بلا شك على وضوح رؤيته للميدان و التغييرات الطارئة، أما الثانى فمن المفترض أن يتخذ قراراته فى ظروف أكثر هدوءاً و إن كان فى ميدان أكثر عمقاً و اتساعاً.
و صانع القرار - أياً كان - هو إنسان و الإنسان بطبعه يميل إلى التوازن (الإنسان الطبيعى بالطبع )، و هذا التوجه يخدم الإنسانية بوحه عام، إلا أنه من ناحية أخرى يؤدى إلى تضليل صانع القرار عندما لا تتماشى حالةً بعينها مع التوازن الفعلى. و مع ذلك سيدفع التوازن الفعلى صاحب القرار دائماً إلى الركون لهذه المسلمات، بما قد يترتب عليه تضليله و تعميته.
لهذا لا بد من وجود مؤسسات عادلة تجمع المعلومات الدقيقة لتمريرها لصاحب القرار، حتى يتخذ القرار المناسب و الصحيح، الذى يعكس الخير على البلد كله دون جرها و انزلاقها فى أخطاء شخصية، لا تنم عن الادراك الحقيقى و الذى يعكس التوازن و الاستقرار السياسى .
فإذا أصبحت القرارات عادلة، و بدأنا بترتيب البيت من الداخل، و وضع قائمة الأولويات التى تمثل المصلحة القومية، لنلتف حولها، و نصبح مجتمعاً متماسكاً مترابطاً، حول محور العمل و البناء الذى يجمع و لا يفرق، يعظم و لا يبدد، و يحارب الفساد و المفسدين، و يأتى ببرنامج عمل يجمع حوله كل الأطراف فى منظومة عمل ايجابية، ليعم الخير على الجميع و يشعرون بالراحة و الأمن و الاستقرار.
د. المهندس سامى الرشيد
dr.sami.alrashid@gmail.com