لا شكّ أنّ محاربة الفساد تمثل جزءاً مهماً من عملية الإصلاح الوطني الشامل, وهي محل إجماع جميع الأردنيين, باستثناء القلّة القليلة المستفيدة من عملية الفساد, أو أولئك الذين أسهموا بحكم موقعهم المسؤول في حدوث الفساد وتسهيل مهمّته.
وما يجب التركيز عليه ابتداءً, أنّه يجب تشجيع الحكومة على المضيّ في حمل ملف الإصلاح ومحاربة الفساد, والوقوف في جانبها ودعمها في مواجهة أصحاب النفوذ أو مراكز القوى الذين يزعجهم فتح ملفات الفساد بطريقة جادّة ومحاسبة الفاسدين بشكلٍ فاعلٍ يرضي الجماهير.
لكن يلاحظ بروز بعض الظواهر غير المشجعة في هذا المضمار مثل التجييش العشائري والمناطقي لمناصرة المتهمين بقضايا فساد على أسس عصبية محض, أو ربما الاحتكام إلى منطق التهويش والخروج على القانون والدستور والمؤسسات, وهذه المظاهر تبعث على القلق, وتحتاج إلى نقاش وحوار وتفسير وعلاج.
وفي هذا المضمار لا بد من إحداث توافق شعبي رسمي على مشروع الإصلاح الوطني; لأنّه لن تستطيع أيّ حكومة مهما أوتيت من قوة أن تنهض بمشروع الإصلاح لوحدها بعيداً عن المناصرة الشعبية والمعاضدة السياسية من مؤسسات المجتمع المدني وقواه السياسية الفاعلة بقوة وسعة, وانطلاقاً من هذه المسلمّة لا بد أيضاً من ترتيب الأولويات التي تؤدي إلى بناء جسور الثقة بين الشعب والقيادة; لأنّها تعرضت للاهتزاز والشك والعطب خلال المراحل السابقة, شئنا أم أبينا.
إنّ الخطوة الأولى المهمّة لتحقيق ما سبق هو ايجاد حكومة تخرج من رحم الشعب, ويتمّ تشكيلها من إفراز صناديق الاقتراع, بعد وضع قانون انتخابات مناسب يكرّس التنافس بين القوائم والبرامج السياسية, ومن خلال نجاح الكتلة ذات البرنامج الذي حظي بثقة الجماهير, وتم انتخاباها على أساسه, هي التي يجب أن تشكل الحكومة التي تحوز على ثقة المجلس منفردة أو بالتحالف مع الكتل الأخرى, هذه الحكومة هي التي ستكون القادرة على محاربة الفساد بالتعاضد مع جماهير الشعب الأردني; وفقاً لمعايير علمية موضوعية واضحة ومكشوفة وشفافة, لا تسمح بزلزلة الثقة أو تسرب الشك إلى نفوس المواطنين.
وما يجب قوله بصراحة, عندما لا يثق الشعب الأردني بمجلس النواب القائم, عن بعضهم أو غالبيتهم جاءوا بالتزوير أو من خلال شراء ضمائر الناس, فسوف تبقى ظاهرة التجييش العشائري قائمة, وسوف تبقى عمليات التشكيك سيدة الموقف.
وما دام الشعب الشعب الأردني, لا يثق بطريقة تشكيل الحكومات التي تستند إلى الصداقات والمحسوبيات, وتقوم على منطق الشلل, بعيداً عن الحكومات البرامجية التي يعرفها كلّ العالم, ولذلك سوف يبقى الشك وعدم الثقة هو المسيطران على الجوّ السياسي, فمحاربة الفساد والإصلاح السياسي لا يتمّ بالرغبة ولا يتمّ بالنوايا الحسنة فقط, وإنّما لا بدّ من امتلاك الأدوات الصحيحة والقدرة على استخدامها بطريقة صحيحة وفي جوٍ شعبيٍ ملائم.
rohileghrb@yahoo.com
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم