من راقب حال الشام .. مات هماً
د. هاني البدري
19-01-2012 02:55 PM
أياً كان هذا الذي قرر أن ينضم الى بعثة المراقبة في سوريا, لابد أن يضطلع بجملة صفات وأن يتسلح بكم مهولٍ من الصبر المُحلى بتكذيب النفس, فالشباب الذي إنخرط تحت لواء المراقبة العربية أقدم على الخطوة حتماً مدفوعا بجملة حوافز, لعل آخرها المراقبة من أجل جلاء الحقيقة..
وكأن الحقيقة كانت تنتظر بضعاً من قيادات ونشطاء عرب وقرارات طال الجدل عليها فكانت شاهداً على مزيد من الدم..وكأن جلاءها يحتاج بعد الذي تابعناه في الشارع السوري والخطب العصماء التي كانت اشبه بمحاضرات الكيمياء, يحتاج الى تفتيش وأسئلة.
لعل مشروع المراقبة الذي شَابَهُ الألتباس والضبابية منذ ولادته في عرين العمل العربي, كان وليداً مشوهاً لا أمل لأهله الا بالترحم عليه..!
ذهب المفتشون للبحث عن الحقيقة فضاعت وسط تصريحات رئيس بعثتهم الذي أعرب عن إطمئنان وجدانه لهدوء الشارع ثم في تعليقات نبيل العربي الذي أعلن بوضوح أنه لايعرف من يقاتل من, ثم بإنشقاق أنور مالك المراقب الجزائري بعد أن ضاق ذرعاً بالمظلة العربية الناعمة التي أُهديت للنظام فأدرك أهميتها, وعرف أن العرب قد أتوا لإستكمال الإجراءات الفنية فقط لما هو مطلوب منهم تحت عنوان "تحركٌ تجاه سوريا"..
ما أزعج العربي وطاقمة العروبي وأبقاهم دون أن ينطقوا حرفاً حتى اللحظة هي الأخبار الآتية عن سُبل الترغيب التي أتيحت لمعشر المراقبين العرب في فنادق دمشق..وهو ما فُهم أيضاً بأنه صمتُ من لاحيلة له أزاء مشهد هو أكبر من الجامعة وقراراتها!!
أتخيل نفسي زائراً لعقل مراقب عربي وأسأل..كم أختلفت الصورة الآن بين تلك التي كنت تشاهدها منقولةً عبر الهواتف ..مهزوزة , مرتعدة من ظهور شبيح أو إطلالة قناص ,وهذه التي تدونها اليوم على وقع مراقبة في الأرض والجو وداخل جدران غرفتك الفندقية, أهي أجوبة دقيقة تلك التي يقولها الناس بأصوات مرتعشة خوفاً من أولئك الذين يرافقونك لتأمين حراستك..أم أن أسئلتك صِيغت على عَجل ولم توجه الاّ في الأوقات الخاطئة ولغير أصحابها؟!
أتجول في وجدان هذا المراقب وأسأله أيضاً, هل أعد أجوبة للأسئلة التي تنتظره في البيت ..الزوجة والأطفال, ألن يسؤلوا, ماذا رأيت وكيف أمكنك أن ترى كل هذا الدم وتسكت.."لعلك لم ترى الدم الذي رأيناه نحن على الشاشة أثناء غيابك عنا"..
مهمة المراقبين ياسيدي التي أنت عضو فيها, أكثر ابداعات العمل العربي غرابة والتباساً وفشلاً حتى قبل أن توزع بطاقات السفر والسترات البرتقالية ودفاتر الملاحظات..
لست أنا من أقول هذا, بل كل الذين صاغوا المبادرة وأولهم أمين الجامعة التي أنقسمت في السعي نحو الحقيقة , فضاعت هي والحقيقة ومراقبوها الذين يستحقون الشفقة من هكذا مهمة, لعلهم يعودون سالمين حتى وأن لم يُعدوا الإجابات على الأسئلة الصعبة, لكن عليهم أن يخططوا منذ الآن لترتيب زيارات منتظمة لأطباء نفسيين, فالصورة يا صديقي المراقب أخطر الفيروسات التي يمكن أن تهاجم العقل فما بالك أن كانت الصورة قادمة من شوارع الشام .
ياعزيزي يقال..إذا أردت إفشال قرار فمرره للجنة, وأقول لك إذا أردت أفساد أمر فأعبر به الى الجامعة العربية على حد قول ساخر.. لاتدخل الجامعة العربية الا في ثلاث حالات..أن تحصل على وظيفة فيها اوتعقد مقاولة معها أو أن تكون متعباً فتجد سريراً شاغراً في أحد مكاتبها الأنيقة المعدة أصلاً للنوم ..