تعوّدت أن أكتب ، مثل هذا اليوم من كلّ سنة ، عن مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية ، ولن أخرج عن العادة وأنا أترك المنظمة الدولية بعد أن انسحب منتدى الشفافية الأردني من تمثيله لها ، ففي التقرير الذي ظهر بالأمس الكثير ممّا يستأهل التعليق ، ولكنّني سأركّز على نقطة واحدة هي وضع العرب ، وخصوصاً الأردن.
فقد قال المؤشر إنّ العالم العربي كلّه تراجع في مسألة محاربة الفساد بدرجات كبيرة ، في حين أنّ إسرائيل تقدّمت ثلاث درجات ، وإذا كنّا لا نناقش تراجع العرب ، فإنّنا نتحفّظ كثيراً على درجة التراجع ، إذ لا يعقل أن تشكّل سنة واحدة مفترق طرق بين النقيض والنقيض ، وفي الوقت نفسه فإنّنا نضع الكثير من التساؤلات أمام مسألة تقدّم إسرائيل التي شهدت الكثير من جرائم الفساد في العام الماضي ، وفي حقيقة الأمر فإنّ الاسرائيليين أنفسهم يتحدّثون عن تزايد الفساد في السنوات الأخيرة.
ويهمّنا بالضرورة وضع الأردن ، ولعلّها السنة الأولى التي كنّا ننتظر التقرير فيها باعتباره سيحمل لنا أخباراً سارّة ، فالأردن هو الدولة الأكثر توافقاً مع المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد ، من التوقيع إلى التصديق إلى وضع القوانين الجديدة ، وتعديل القديمة ، وتأسيس هيئة مستقلة للمكافحة ، وإستضافة أوّل مؤتمر عالمي للمعاهدة ، ومع هذا كلّه ، فقد حمل لنا التقرير ما لا يصدّقه عقل راشد ، حيث تراجع موقعنا على السلّم لنقفز من الموقع الأربعين إلى الثالث والخمسين ، وأيضاً ، فقد تراجعنا لتصبح نقاطنا أربعة فاصلة سبعة ، بعد أن كنّا خمسة فاصلة ثلاثة ، وهذا يستأهل كلمة الغريب ، والمريب أيضاً.
والغريب ، والمريب ، أيضاً وأيضاً ، أنّنا كنّا نتلقى على مدار العامين الماضيين "شهادات حسن سلوك" من الكثير من المنظمات الدولية ، ومن الخبراء ، والغريب أكثر أنّ الأردن وافق وعلى لسان جلالة الملك لوفد من المنظمة على أن يكون الأردن نموذجاَ للتطبيق ، بحيث يتمّ رصد عملية التنفيذ بكلّ الشفافية ، ومع ذلك فيأتينا خبر التراجع وكأنّه دوش بارد على رؤوسنا.
هذه النتيجة وضعت منتدى الشفافية الإردني أمام خيار واحد فقط ، هو الانسحاب من المنظمة ، لأنّ الاستمرار سيجعله في موقع شاهد الزور على نتيجة لا يتبناها ، وهو على يقين بأنّ الانتقائية لعبت فيها دوراً كبيراً ، وهذا كلّه يضعنا أمام تساؤلات كبيرة حول طرق عمل المنظمات الغربية في مسائل تتعلق ببلادنا ، وللحديث بقية.