بانتظار ان ينحسر الربيع العربي، تناور ما تبقى من الانظمة العربية فتزيد من منسوب الحديث المتواصل ذو النبرة العالية عن الاصلاح على حساب منسوب الفعل الحقيقي الذي يقود الى تحولات جذرية لمجتمعات تعيش تحت قبضة الاستبداد والظلم والفقر والبطالة من جهة وتواجه ضغوطا هائلة للدخول في الحيز الثوري من جهة اخرى.

ولتلك الانظمة اقول، ان نظرة علمية متأنية لمعطيات الواقع تشير الى ان الربيع العربي سيستمر لسنوات عديدة.. فالربيع العربي ببساطة ليس اندفاعة سيل عارم تسقط في اندفاعتها الاولى مجموعة من الانظمة جعلها حضها العاثر في مجرى السيل وتواصل بعد ذلك طريقها الى البحر وتنجو الانظمة الاخرى التي لم تكن على مسار الحدث.

ما يجري في المنطقة العربية ليس لحظة تاريخية عابرة بل هي ثورة شعوب ضد افكار وممارسات حكم متخلفة عفى عليها الزمن واثبتت بصورة لا يرقى اليها الشك انها افكار وممارسات لا تخدم الشعوب ولا تضمن الاستمرار للحاكم يل انتجت ممارسات فساد لا مثيل لها في التاريخ المعروف.

لقد استطاعت الثورات العربية ان تخلق ديناميات جديدة فاعلة تشير بوضوح لكل من يمتلك الحد الادنى من البصيرة ان خواتم الامور تتلخص في معادلة بسيطة للغاية: الاصلاح او السقوط..، وان اي فهم للامور غير هذا الفهم لا يدل الا على قصور خطير في ادراك ما يجري، ولعل التجارب الماضية تثبت بوضوح صحة هذا الطرح.. واليكم امثلة من وقائع حدثت اثناء الثورات العربية في ليبيا وسوريا.

اولا: في ليبيا، عندما بدات المؤشرات الاولى للثورة، ماذا لو تخلى القذافي عن الفهم الخاطئ لما يجري واجرى حوارا مع الثوار وقاد معهم عملية انتقال تاريخية لليبيا من بلد متخلف يحكمه شخص وانجاله الى بلد يحكمه الشعب من خلال نظام ديمقراطي مؤسسي ؟ لو فعل القذافي ذلك لحافظ على ليبيا من الدمار ولحافظ على نفسه واسرته من الفناء ولربما استطاع التنافس لرئاسة الدولة في انتخابات حرة ونزيهه قادمة..

ثانيا: في سوريا، عندما اخذت احداث الثورة بالتفاعل في درعا، ماذا لو قام بشار بزيارة درعا لتعزية مواطنيها بمن قتل من ابناءهم وعاد الى دمشق ليخاطب الشعب ويدعو الجميع الى تشكيل حكومة انتقالية من كل مكونات المجتمع السوري وقاد عملية انتقالية تقود الى دولة عصرية يحكمها من يختاره الشعب في انتخابات حرة ونزيهه؟ الم يكن بهذا قد جنب سوريا – الدولة ذات الدور الاستراتيجي الهائل في المنطقة- كل هذه الحلقات المرعبة من الدمار والتفكك الذي نشاهده اليوم والذي من المتوقع ان يستمر في تصاعده كما وكيفا لفترة زمنية قادمة قد تطول، ولفاز هو نفسه في اول انتخابات رئاسية ديموقراطية تجري في سوريا الجديدة اذا ما تنافس مع الآخرين فيها.

اليست هذه دروس لاستخلاص العبر منها لتجنيب اوطاننا ما ينتظرها من اهوال ..؟