للحديث عن تاريخ الاردن في عهد الدولة الايوبية ابان العصر العباسي لا بد من تناول تاريخ الدولة الأيوبـية التي حكمت خلال الفترة (567-648هـ/ 1172-1250م) .
يعتبر صلاح الدين يوسف بن أيوب هو المؤسس الحقيقي للدولة الأيوبية، وذلك بعد أن عُيِّن وزيرًا للخليفة الفاطمي ونائبًا عن السلطان نور الدين محمود، فعمل صلاح الدين على أن تكون كل السلطات في مصر بيده، وأصبح هو المتصرف في الأمور، وأعاد لمصر التبعية للدولة العباسية، فمنع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي، وأغلق مراكز الشيعة الفاطمية، ونشر المذهب السني.
وقد بدأ صلاح الدين يعمل على توحيد الدولة الأيوبية وحماية أركانها في مصر والشام.
فبدأ التوجه إلى بلاد الشام بعد وفاة نور الدين، فدخل دمشق، ثم استولى منها على حمص، ثم حلب، وبذا أصبح صلاح الدين سلطانًا على مصر والشام. ثم عاد إلى مصر وبدأ الإصلاحات الداخلية، وخاصة في القاهرة والإسكندرية، ثم سافر إلى الشام؛ ليبدأ ما كان قد بدأه من قبل، وهو جهاده المشرق ضد الصليبيين.
وكانت دولة الأيوبيين قد امتدت إلى بلاد الحجاز؛ حيث قام صلاح الدين بتحصين جنوب فلسطين، والاستعداد لأي أمر يقوم به أرناط صاحب قلعة الكرك، والذي كان يدبر للهجوم على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وكان صلاح الدين قد اعتني بميناء القلزم وميناء جدة، لأن أرناط كان قد عمَّر أسطولا في ميناء أَيْلَة أو العقبة، وأرسل سفنًا بلغت عِيذاب، فاستولى صلاح الدين على أيلة، وأخذ منها أسرى من الصليبيين، وكذلك قبض رجاله على بعض الصليبيين الذين وصلوا إلى عيذاب، وأرسلوا جميعًا مصفَّدين بالأغلال، حيث ذُبحوا مع الهدي الذي أهداه الحجاج لله سبحانه في ذي الحجة سنة 578هـ ، واستولى صلاح الدين على بيت المقدس، وقد وقع في الأسر ملك بيت المقدس، ونفر من الفرسان الصليبيين ومن بينهم أرناط الذي لم تكد عين صلاح الدين تقع عليه حتى أمر بقتله.
وعقب استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس سقطت في يده كل موانئ الشام، فيما عدا موانء إمارة طرابلس، وأنطاكية، وانتهت الحروب الصليبية بصلح الرملة بين صلاح الدين والصليبيين.
فقد كان على الايوبيين خلفاء الفاطميين ان يواجهوا ممالك الصليبيين في الرها وانطاكية والقدس وسيطروا على شرقي الاردن كحد فاصل بين مصر والشام وللسيطرة على طرق الحج والتجارة فبنوا القلاع في الكرك والشوبك وايلة اي العقبة ، فقد كانت اول خطوات صلاح الدين السيطرة على ميناء ايلة اي العقبة في بلاد البلقاء فتمكن من استعادتها من الصليبيين ، ثم ارسل حملاته الى الشوبك والكرك .
لقد كانت البلقاء مسرحا لتحركات جيوش الايوبيين ففي سنة 565هـ 1170م خرج نور الدين زنكي متوجها بجيشه الى الكرك ، فمر براس الماء في حوران ثم عمان وحسبان ومادبا ووادي الموجب الى الكرك ، وقد نصب المجانيق على قلعة الكرك وحاصرها بمساعدة امراء بني ربيعة ، ولما استعصت القلعة عليها ولم يتمكن من اجتياحها رجع الى البلقاء عائدا الى دمشق ، فتمكن من ضم دمشق الى مملكته في 570هـ 1174م ، وبضم دمشق اصبحت البلقاء تابعة لصلاح الدين .
وفي 580هـ 1184م ارسل صلاح الدين حملة الى الكرك مرت بحوران والضليل والزرقاء وعمان والرقيم وزيزياء واللجون والربة فحاصر الكرك ورماها بالمجانيق ، وحاصرها شهرا ولم يتمكن من فتحها ، كما حاول مرة اخرى تحرير الكرك قبيل معركة حطين الا انه لم يتمكن ، وبنى صلاح الدين قلعة في عجلون .
وبعد الانتصار في معركة حطين الحاسمة 583هـ 1187م ارسل صلاح الدين جيشا بقيادة سعد الدين كمشبه لمحاصرة الكرك ، فحاصرها الى ان راسل الصليبيون الملك العادل بالتسليم بعد ان دام حصار الكرك سنة كاملة ، فتسلم سعد الدين الكرك والشوبك والسلع والوعيرة سنة 584هـ 1188م .
وقد اعطيت الكرك والشوبك والصلت (السلط) والبلقاء الى الملك العادل مقابل ستة الاف غرارة غلة تحمل سنويا الى السلطان صلاح الدين الايوبي.
وكانت مناطق الاردن الخصبة في سواد الاردن وجبل عوف (عجلون) وجرش والجولان ، تقدم للصليبيين نصف غلاتها من الحبوب الى الصليبيين .
وبعد وفاة صلاح الدين سنة 589هـ 1193م قسمت الدولة الايوبية بين ابنائه واخوته، فاصبحت البلقاء ضمن املاك الملك العادل اخي صلاح الدين ، واصبحت دمشق والصلت والكرك والشوبك وجنوبي الاردن للملك المعظم شرف الدين عيسى ، الذي بنى قلعة السلط . وقلعة الازرق ورمم بركة زيزياء ، وبنى حمامين في مدينة معان ، احدهما للرجال والاخر للنساء ، اباحهما للحجاج دون مقابل . وقد توفي المعظم عيسى سنة 624هـ 1226م ، فتولى بعده ابنه الملك الناصر ، الذي ضمت مملكته الكرك والشوبك واعمالها ، والصلت والبلقاء وعجلون والاغوار جميعها ونابلس والقدس وبيت جبريل .
وعلى ارض حسبان دارت معركة بين الملك الصالح اسماعيل صاحب دمشق وبين الناصر داوود انتصر فيها الصالح اسماعيل ، ففر الناصر داوود الى الكرك واحتمى بقلعتها .
ثم سار الملك الصالح اسماعيل الى مصر فخرج اليه نجم الدين ايوب عند غزة فانحازت الجيوش الشامية الى نجم الدين فانهزم الصالح اسماعيل وحلفائه الفرنج وتم اسر عددا كبيرا من الصليبيين استخدمهم نجم الدين في بناء قلعة الروضة .
وقد اضطر نجم الدين لمصالة الناصر اسماعيل مقابل الافراج عن المغيث بن الصالح ايوب ، ومهاجمة الملك الناصر داوود في الكرك . الا ان الصالح اسماعيل اتفق مع الناصر داوود ضد نجم الدين ، فتمكن نجم الدين من هزيمتهم فاستولى على فلسطين ودمشق ولم يبق بيد الناصر داوود سوى شرقي الاردن كاملة الكرك والبلقاء والصلت وعجلون . الا ان صاحب قلعة عجلون سيف الدين علي بن قلج سلم قلعة عجلون لنواب نجم الدين ، ولم يبق بيد الناصر سوى الكرك والبلقاء والصلت ، وتمكن احد قادة نجم الدين فخر الدين يوسف بن الشيخ من هزيمة الناصر داوود والسيطرة على القدس ونابلس وبيت جبريل والصلت والبلقاء ، ولم يبق بيد الناصر داوود سوى الكرك .
وعندما قتل السلطان تورانشاه سنة 648هـ 1250م على يد مماليك ابيه نجم الدين ايوب ، نصب المماليك عز الدين ايبك سلطانا ، فاخرج بدر الدين الصوابي الملك المغيث عمر بن العادل احد افراد البيت الايوبي من سجن الكرك ، ونصبا سلطانا على الكرك والشوبك ، واستمر مستقلا بالكرك والشوبك وجنوبي الاردن الى ان قبض عليه السلطان الظاهر بيبرس سنة 661هـ 1263م وضم الكرك الى السلطنة في مصر .
اما عجلون والسلط فقد استولى عليهما الناصر يوسف صاحب حلب الذي دخل دمشق ثم استولى على عجلون ثم السلط .