عبر لندن الباردة، أيضا، وبعد عشرين ساعة من السفر تحط بنا الطائرة البريطانية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي قبيل ساعات من لقاء الملك بالرئيس الامريكي اوباما، وهذا لقاء مقرر قبيل فترة، ويحمل في طياته الكثير من الأولويات والملفات.
هذه زيارتي الأولى الى واشنطن دي سي، وستتاح لنا في هذه الزيارة رؤية وجه الرئيس الامريكي، وعبره قد نقرأ ما قد يقوله، حول قضايا العالم، وما يخص الاردن ايضا، وللرئيس الامريكي الذي انخفضت شعبيته في بلاده، شعبية افضل في شرق المتوسط، بعد خروج قوات بلاده من العراق، على ما جرى في العراق، من ويلات وحروب وضحايا.
عواصم باردة، لكنها تصنع السخونة في العالم، ولقاء جلالة الملك بالرئيس الامريكي غدا في واشنطن، يأتي ضمن سلسلة لقاءات عقدها الملك مع الرؤساء الامريكيين، منذ توليه الحكم، الذي يبدأ عامه الرابع عشر عما قريب، والعلاقة الاردنية الامريكية علاقة تاريخية واستراتيجية حظيت بقبول في احيان كثيرة، ونقد من النخب الاردنية في حالات اخرى.
ابرز الملفات التي سيتناولها لقاء الملك بأوباما، العلاقة الاردنية الامريكية،على المستوى السياسي والاقتصادي بخاصة ان الاردن يتلقى دعما ماليا امريكيا منذ سنوات طويلة،وواشنطن المثقلة بديونها وعجزها المالي، تعرف ان وضع الاردن صعب جدا، ولا يمكن لبلد يقف عند اخطر صراع في العالم، ان يبقى معلقا على الصعيد الاقتصادي، فيأخذ القليل، ويبقى مضغوطا تحت الكثير من الالتزامات.
الملف الثاني يتعلق بنافذة المفاوضات التي فتحها الاردن بين الفلسطينيين والاسرائيليين،في لقاءات العقبة وعمان، وعلى الرغم من ان عمان الرسمية، رسمت وجودها في هكذا قصة باعتبارها ليست وسيطا بقدر كونها حاضنة، الا ان الدور الامريكي كوسيط يبقى مهما، وهو الدور الذي يرى مراقبون انه لم يكن مكتملا ولا نزيها.
الملك اذ يلتقي بأوباما، يأتي في توقيت تدخل فيه الولايات المتحدة مرحلة الاستحقاق الانتخابي، ليبقى السؤال حول قدرة واشنطن ان تضغط اقليميا لإنجاح المفاوضات،وهي في وضع حرج لا يسمح لإدارة البيت الابيض بالالتفات الى الشرق الاوسط،امام ضغط الحملة الانتخابية بخاصة ان واشنطن الرسمية، في كل عام اخير لرئيس امريكي تنقلب رأسا على عقب،امام همومها الداخلية.
الوضع في الشرق الاوسط، والمنطقة وتداعيات الربيع العربي، لن تغيب عن مباحثات الملك واوباما، وسمعنا الادارة الامريكية سابقا تدلي برأيها ازاء ما يحدث في دول عربية، ويلخص الملك وجهة نظره ببساطة ازاء ما يجري في كل دول المنطقة، بقوله "اذا انتصرت على شعبك بالقمع فأنت مهزوم" وهذا مفتاح سر رأي الملك ازاء الحراكات في الاردن، وازاء مواقف عمان الرسمية مما يجري في كل دول المنطقة.
يبقى الوضع الاقليمي بمعناه الاوسع، هو عقدة العالم هذه الايام، لأن كل المنطقة تغلي على صفيح ساخن، من مناطحات ايران والمجتمع الدولي، وصولا الى ما يخشاه الاردن من انتشار حالة الفوضى وعدم الاستقرار في كل المنطقة خلال هذا العام، والذي سيقوله الملك للرئيس الامريكي سيكون حساسا للغاية.
الاردن بات البلد الوحيد غير المحترق بين اغلب دول الجوار, ولا يمكن التفريط بهذه الميزة، وهي ميزة بحاجة لكلفة سياسية واقتصادية من اجل ادامتها،هذا مع تذكرنا ان مطالب واشنطن كثيرة ولا تنتهي من دول المنطقة، وهي تكاد ان توصف بالعاصمة الاكثر تطلبا، قبل ان تكون العاصمة التي تعطي غيرها.
زيارة الملك الى واشنطن، تختلف عن الزيارات السابقة، لأن توقيتها يحمل الكثير من الاشارات، في منطقة تتقلب ليل نهار، وتشي بأن كل العالم على مشارف التغيير.
(الدستور)