ما يمكن أن يضاف لما كتبه معالي الدكتور نبيل الشريف رئيس التحرير المسؤول قليل في موضوع الرقابة على المواقع الالكرونية، لكن الواجب يقتضي أن نفزع (بمعنى الفزع الخوف، والفزعة بمفهومها الشعبي الدارج) ليس للمواقع الإلكرتونية فحسب، بل لحرياتنا كصحفيين، سنتحول إن استسلمنا لمشيئات الحكومات إلى زواحف على بطوننا، لفرط علو السقف طبعا، الذي بدأ يلتصق بالأرض على نحو متسارع!
ربما غاب عن بال دعاة تشديد الرقابة على المواقع الانترنتية أن الرقابة تحصيل حاصل، ولا أدري ما يمكن أن تفعله الحكومة والمطبوعات فوق ما هو مفعول اليوم، بيل غيتس، رئيس عملاق الكمبيوتر الأميركي مايكروسوفت، قال مرة أن محاولات بعض حكومات العالم لتضييق الخناق على المواقع الإلكترونية في شبكة الانترنت لا تجدي نفعاً لأن المعلومات التي تحجب في مكان ما يمكن قراءتها بكل سهولة في مكان آخر أو من خلال تبادلها عبر رسائل البريد الإلكتروني، وهذا كلام صحيح إلى حد ما، ولكنه ينطزي على شيء من المبالغة، فالمكان الوحيد الذي يمكنك فيه ممارسة حريتك بلا رقابة هو خيالك فقط، فلا يوجد مكان في العالم ممكن أن تكون فيه حرا بلا رقابة، فالانترنت لم يعد مكانا لممارسة الحرية، من يصدق أن بالإمكان معرفة البيت الذي تتصل منه بالانترنت فور دخولك إلى الشبكة؟ هذا ليس عملا سريا ولا متخصصا، بل خدمة مجانية يقدمها لك بريد جوجل ميل، وما عليك سوى الدخول إلى هذا العنوان (http://www.ip-adress.com/) حتى ترى صورة منزلك، عبر الأي بي أدريس الخاص بك، وفق برنامج جوجل إيرث، هذا فضلا عن إمكان مسؤولي أي موقع معرفة من يدخل إليه ومن أي دولة وفي أي توقيت إن أرادوا معرفة ذلك، ما يؤكد أن الحرية المزعومة على شبكة الانترنت هي مجرد وهم لا أساس له من الصحة، هذا إضافة إلى إمكانية مراقبة بريدك الالكتروني وقراءة كل شاردة وواردة فيه، بل إمكانية سرقته بالكامل والدخول إليه وقراءة كل ما فيه!
الرقابة الموجودة على الإنترنت متنوعة، ومنها سياسة حجب بعض المواقع بكبسة زر، وللمدة التي يريدها "الحاجب" إما لشهور أو أيام أو ساعات، أو ربما تدمير الموقع بالكامل وإلغائه تماما، ومن الأنماط الأخرى للرقابة إحكام السيطرة على مقاهي الإنترنت التي أصبحت منتشرة بصورة واسعة جدا في البلاد العربية، وخاصة في المناطق الفقيرة لعدم قدرة سكانها على شراء جهاز كمبيوتر، حيث تعمد السلطات إلى الطلب من أصحاب مقاهي الإنترنت عمل سجلات لكل مواطن يرغب في استخدام الإنترنت عبر الحصول على اسمه وبيانات بطاقته الشخصية وأرقام هواتفه، وأحدث أشكال الرقابة على الإنترنت تتمثل في رصد المدونات حيث تم القبض عدد من المدونين العرب في غير بلد عربي، وكل هذا يؤكد أن فضاء الانترنت يسبح في وهم الحرية!
وفي الأردن مثلا، تم حجب عدة مواقع منها الموقع الخاص بجبهة العمل الإسلامي وموقع عمون الإخباري لمدد معينة، وفي الصين واجه كاتبو اليوميات "المدونات" على الانترنت «البلوجرز» بعض القيود على ما يكتبونه عبر مايكروسوفت. وتلبية للضوابط التي وضعتها الحكومة الصينية تم إغلاق المواقع التي تستخدم فيها عبارات «ديمقراطية» و«حرية» و«استقلال تايوان» و«حقوق الإنسان» وما شابه، ويقول براد سميث، أحد محامي مايكروسوفت البارزين: «إن الموقف تغير الآن حيث سيقتصر فرض الرقابة على البلد المعني فقط وبالتالي يمكن قراءة اليوميات الالكترونية في البلاد الأخرى». وتقوم مايكروسوفت حالياً بإنجاز نظام الرقابة الخاصة بها على الانترنت، وسيتم إبلاغ المستخدمين الذين سيتم إغلاق مواقعهم!
صحيح – كما تقول مايكروسوفت- إنه يوجد على مواقعها 35 مليوناً من اليوميات الإلكترونية ويتصفح المستخدمون أكثر من 90 مليون صفحة منها شهرياً، إلا أن كل هذا تحت السيطرة إلى حد كبير، بطلب من الحكومة الصينية، فعن أي حرية نتحدث؟؟
al-asmar@maktoob.com