العشائرية والخنفشارية .. والحرية الإلكترونية والكرتونية .. والرابطة الفكرية والرابطة الانكشارية .. الخ
مسَـلم الكساسبة
25-09-2007 03:00 AM
ليس هذا حديثا مرتبطا بمناسبة ما.. فقد وردت معظم أفكاره أصلا ضمن حوارات سابقة ومشاركات لي نُشرت في بعض المواقع والمنتديات والصحف الالكترونية ضمن مواضيع ونقاشات تناولت نفس المسألة .. وكانت زمنيا سابقة على ما يدور حاليا بخصوص تصريحات نسبت إلى أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي وجزء منها يتعلق بشريحة كبرى من المجتمع الأردني .. وهو الكلام الذي سبق وأن طـُرح مثله وتكرر كثيرا بأشكال وصيغ مختلفة بعضها كان خجولا ومتواريا بعض الشيء وبعضها الآخر كان أكثر وضوحا .. لكن ربما لم نلحظه ولم نتوقف عنده لأنه كان من أشخاص أقل شهرة ومكانة ربما.ومع ذلك فهذه الأفكار هنا حول العشيرة والعشائرية كنمط وشكل من أشكال التركيب والبناء الاجتماعي رغم سبقها في النشر زمنيا على مناسبة الحوار الدائر حاليا حول تصريحات أمين عام جبهة العمل إلا أنها تفيد بدورها كنقاش هادئ وموضوعي لذات الموضوع .
واليوم يتحدث الأردنيون في موضوعين اثنين : العشيرة بين مدافع ومهاجم .. والموضوع الثاني هو نية الحكومة إخضاع الفضاء الإلكتروني وحرية النشر لقانون المطبوعات والنشر . . ذلك لكي أقول لمن هاجموا العشيرة واتهموها بأنها ضد الحداثة والحرية : متى كانت العشيرة ضد هذه المعاني .. ومن هي العشيرة التي اقترحت على دائرة المطبوعات والنشر أن تراقب الفضاء الحر ؟ حتى يعرف المدافعون عن الحرية والرأي إلى أين ينبغي أن تتجه جهودهم إن كانت الحرية والديموقراطية تهمهم حقا . هذا من وجهة .. ومن جهة أخرى إشارة لافتراض يتم تعميمه وترويجه أن كل من دافع عن هذا الشكل من أشكال البناء الاجتماعي هو مع الاتجاه الرسمي أو يغازل الحكومة ؟ بافتراض أن الحكومة هي راعية العشائر وحاميتها.. وهو افترض لا يؤيده الواقع مع البؤس الذي تعيشه تلك العشائر حيت لا شيء إلا تراب الأرض وغبارها في أفواههم ..وصهد الصحراء ولونها الكالح فوق رؤوسهم وفي عيونهم .. بينما يعيش من ينتقدون العشيرة ويحسدونها على هذا الدلال في الشوارع المعبدة جيدا والشقق المكيفة وربما الفلل والقصور.. والخدمات المعدة بعناية لمدينة برتبة العاصمة أو ما ضاهاها من مدن ...الخ
وعلى مدى الأشهر السالفة كان بإمكان المتتبع ملاحظة نوع من الإصرار المتكرر على مهاجمة هذا الشكل من أشكال البناء الاجتماعي الطبيعي والمتوارث .. إصرارا يبدو من جهة كما لو انه عمل مبرمج ومنسق ومدفوع .. ومن جهة أخرى فإن كل تلك الكتابات عادة ما كانت تشترك في مجموعة من الأفكار والطروحات .. فدائما بدت العشيرة والعشائرية في تلك الكتابات وذلك الطرح وهي:
*معيق للتقدم والتحديث الخ ! وكأنما يراد وضع العشيرة التي لا تتعدى كونها شكل من أشكال التركيب الاجتماعي في مقابل مقولات الحرية والعدالة والتقدم والفكر ...الخ!
*تنهب حقوق الآخرين الذين ليس لهم عشائر وتستقوي عليهم؟!
*تجمعات سكانية محظية رغم أن أبناءها أقل فهما وعلما وخبرة وثقافة وعددا إلى ما هنالك من النعوت والصفات !
* تستقوي على الدولة وتعتدي على هيبتها ؟!
* وصولا إلى الدعوة لإنهاء وتفكيك العشائرية وإلغائها من الوثائق الرسمية وهي أكثر الطروحات جرأة حينما تدعوا لتغيير وتصفية أنساب الناس بالقانون؟!!
إلى حد يحملك على التساؤل فيما إذا كان هذا الطرح هو طرح موجه ومبرمج يستهدف تفكيك هذا النمط من البناء الاجتماعي وإذابته ؟ وفي الواقع لا يوجد ما يجعلنا منطقيا نستبعد ذلك سيما ونحن نعلم أنه وعلى مر التاريخ كان هذا الشكل الاجتماعي هو الأكثر تجذرا وثباتا في الأرض وكان بالنسبة للبناء المجتمعي كالجبال بالنسبة للأرض يحفظها من أن تميد وتفسد.. وكانت العشائر في وجه كل محتل هي منبع الصمود والمقاومة .. وكان ابن العشيرة في هذه القضية بالذات هو كالموثق إلى الوطن والأرض بكل جذور الأشجار وجذوعها .. وأنه حتى لو هان عليه هو كشخص أن يبيع فإنه لن يقدر لأنه مرتبط بألف أو مئة ألف شخص ومتعلقاتهم وعلاقاتهم .. وبقيم وأعراف مزروعة في دمه يشكل خروجه عليها نشازا صارخا قد يصل في نتائجه أحيانا إلى الوصمة الأبدية والعار يسجل عليه وعلى أسرته .. فالعشيرة والحالة هذه في صرح بناء الوطن هي أشبه بمداميك البناء القوية التي يشد بعضها بعضا .. كما أن انتماء الفرد ضمن هذا التكوين المجتمعي له طعم مميز ومختلف لا يبدأ عند مصلحته الشخصية .. ولا ينتهي عند كل شجرة ومنحدر وصخرة مرورا بكل ما يدعم الانتماء من عناصر تمتد ما بين مصلحة الذات الفردية وبين تراب الأرض كلها بما عليها من بشر وحجر ومن متعلقات وعلاقات.
*ما العشيرة التي اقصدها وأدافع عنها في حديثي؟ وهل هناك مبررات منطقية تجعلنا ندعم الدعوة لتفكيكها وإذابتها ..لنرى؟
والعشيرة المقصودة في حديثي هي وحدة بناء اجتماعي ونوع من التكوين الأسري الطبيعي الموروث يجمعها عادة وشيجة القربى والنسب .. ومرات يكون الرابط هو الحلف والمكان المشترك أو مزيج منها جميعا .. لكن في كل الأحوال يكون بينها أرحام ووشائج قربى ومصاهرة وصلات قوية .. وللعشيرة أدوار إيجابية كثيرة منها في التربية والتنشئة الاجتماعية بعزل التأثيرات السلبية للبيئة والأسرة النواة.. وفي حفظ الأمن .. وفي التواد والتراحم والتعارف والتعاون وحل المعضلات ..وكذلك في تقوية الانتماء وتعميقه ...الخ وهي الأدوار التي سنعود لشرحها مفصلا ، فهي بهذا قوة للفرد وقوة للمجتمع وللدولة معا.. وكثيرا ما يثار جهلا أن العشائرية تنافس قوى المجتمع المدني وشتى أشكال التنظيم الأخرى وتعيق التقدم والتحديث وهذا غير صحيح أبدا..فالتقدم لا يعيقه أن يوجد لدي أسر ممتدة وأن يكون عدد أفرادها 500 أو 5000 أو حتى 50000 إنسان بينهم ترابط وتواد وتعارف؟ بل على العكس فكلما كان المجتمع بمثابة (بلوكات) كبرى واسر ممتدة كلما كان هذا عامل موحد وسبب في تظافر جهوده وتعاونه نحو الأهداف الكبرى النبيلة بشتى صورها ، قال تعالى : {... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا....الآية } فالعشيرة بهذا المعنى وكعائلة كبيرة ممتدة وتكوين اجتماعي طبيعي ونوع من التراتبية الأسرية الموروثة هي هبة ربانية عظيمة جدا قد لا يـُقدِّر معناها إلا من حُرم منها .. والإنسان كما وصفوه كائن اجتماعي بطبعه..وإذا كان في النهاية لا بد له من أن ينتمي لأسرة ما فما المانع أن تكون أكبر من مجرد الأسرة النواة ؟ حتى من منظور المنفعة ذلك أفضل له ؟
هذه هي العشيرة التي ندافع عنها وهذا هو مفهومها ..أسرة كبيرة ممتدة بينها وشائج وتعاون والتزام ضمن نسيج المجتمع الأكبر الذي تنتمي له وتعتبره عشيرتها الكبرى بدوره.. بالتالي نتكلم عن العشيرة كوحدة بناء اجتماعي لها مظلتها في الرحمة والمحبة والتعاون بين الناس والتعارف (لتعارفوا) ..فما وجه الاعتراض على ذلك .. وما يضير الآخرين سواء كانوا أفرادا أو تجمعات في ذلك ؟ لقد ولدنا ووجدنا أنفسنا هكذا أقارب وأرحام على ارض مشتركة تجمعنا وشيجة اسمها العشيرة وتدعونا إلى كل تلك القيم الطيبة من التعاون والتعارف والانتماء والتسامح ....فما المشكلة في ذلك؟ إلا إذا كان مطلوبا قطع الرحمة والمودة بين الناس وان يقول الأخ أو ابن العم لأخيه إليك عني فالعشائرية عيب كما أفتى بذلك شيخنا هُديب .. أريد أن ابحث لي عن قريب من سيحون أو حليف من حرمون ؟
وللعشيرة بهذا المفهوم الذي سلف أدورا رائعة جدا لا مانع من تكرار تعدادها وشرحها : فالأمن الذي يتميز به الأردن كمثال يعود الفضل فيه مع أجهزة الأمن لنوع التركيب الاجتماعي ذاته .. لان رجل الأمن والمواطن في هذه الحالة كلاهما ينتميان لهذا النسيج والبناء الاجتماعي فيصبح كل النسيج الاجتماعي مساهما في هذه المهمة ؟ وإلا هل يمكن أن تكون أجهزتنا الأمنية أكثر عبقرية من أجهزة أمن عملاقة تم اختراقها وعاث المفسدون في بلدانها الكوارث .. بينما يشكل الأمن هنا جدارا عصيا على الاختراق دائما بسبب شكل البناء الاجتماعي والعشائرية التي يسارع البعض لذمها ؟
الدور الآخر المهم جدا والذي يتكامل مع ادوار المؤسسات الرسمية أيضا ويساعدها هو دورها في التربية والتنشئة الاجتماعية وعزل التأثيرات السلبية للبيئة أو للأسرة النواة عن التأثير على النشء كما أسلفنا .. بحيث ينشا الطفل وهو محصلة للعائلة الكبرى بغض النظر عن ظروف أسرته النواة المادية أو التربوية فلن يتأثر بها كثيرا لأنه سيخرج كمحصلة لقيم العائلة الكبرى..إذ في النهاية أي واحد منا كتربية وقيميا هو نتيجة للأسرة الكبرى "العشيرة" .. اقصد حينما يكون الفرد تابعا فقط للأسرة النواة وتكون هي الوحدة الاجتماعية أو المنبت الذي فيه ينشأ فإنه إذا كانت كوحدة اجتماعية فقيرة فهذا سينعكس في تربية الأبناء ..لكن حينما تكون هي الوحدة الأكبر فمهما كان مستوى الأسرة النواة المادي أو الخلقي أو التربوي ففي النهاية الطفل لن يتأثر كثيرا بذلك .. وقيميا سيتربى على يد الأسرة الأكبر وهذا من منافع الأسرة الممتدة أو العشيرة في البناء الاجتماعي كله .. عدا عما يتأثر به الفرد أيضا من فيم فضلى لدى الأسر المجاورة فيأخذ من كل منها أفضله بينما لو ترك أمره لأسرته النواة فانظر للنتائج في مجتمعات أخرى مثلا من جرائم وانحرافات وعنف .
أيضا فيما يخص علاقة الناس بالدولة والعكس. فهذا التركيب الاجتماعي المفعم بالتعارف والتعاون بدوره له وظائف بالاتجاهين. فبالاتجاه من الناس وإلى الدولة يجعل هذه الوحدات أكثر عونا للدولة في مهامها المختلفة سواء كانت أمنية أو ...الخ وبالاتجاه الآخر من الدولة وإلى الشعب فهو يسهل الأمور في التعامل والتواصل مع الناس وتقديم الدعم والعون حينما يكونوا وحدات كبرى لا أسرا نـُوية .
لقد أسيء كثيرا ومرارا لهذا الشعب والبلد الطيب وأوذيت مشاعر فئة وشريحة كبيرة من أبنائه مرارا دون ذنب أو تقصير منهم تجاه أحد..ودائما كان البعض يجتهد في رسم صورة نمطية للأردن كصحراء قاحلة والأردني كبدوي غشيم جاء له الآخر فبنى بلده وحضّره وثقفه وعلمه حتى الطبخ والأكل !! بالتالي يوضع الأردني في خانة الممنون عليه دون أن يكون له أي فضل أو دور !! .. هذه الصورة مُررت وتكررت كثيرا في المنتديات الالكترونية وفي النقاشات على النت والصحف وسواها .. وأتساءل إذا كان البدوي وابن العشيرة على هذه الصورة النمطية وهو دائما بحاجة لحضري يأتيه من وراء الحدود ليعلمه حتى الطبخ والأكل . ترى مجتمع الخليج مثلا الذي هو بدو خُـلّص أقحاح كانوا وما زالوا حتى في لباسهم ولهجتهم .. ترى من الذي نهض ببلدانهم في شتى المجالات.. حتى لقد كرس نموذجه الخاص في النهوض والعمران دون أن يخرج من جلده أو يغير ثوبه ولهجته أو يتخلى حتى عن ناقته فما زال هو ذلك البدوي ؟ وإذا قيل هم الوافدون والعمال من بلدان أخرى فهو قول مردود.. فالوافدين قد يسيروا تيار الحياة لكن لا يجترحوا نموذج اجتماعي كامل لمجتمع بأسره وينقلوه منهجيا من حال لحال ..فالوافد لا يأتي ليبني نموذج بل لكي يكسب ويذهب.
أما القول بأن أبناء العشائر والبوادي أقل وعيا وثقافة بالتالي لا يستحقون التمثيل البرلماني أو السياسي بهذا الحجم بل ربما البعض كان يريد الذهاب لأبعد من ذلك حد الدعوة لحرمانهم من أبسط حقوقهم في مقعد الجامعة والوظيفة كونهم بنظره بتلك الصورة التي حاول رسمها لهم وكما ذهب لذلك نائب سابق في البرلمان بأنهم نواب صحاري ووديان وقفار وبيوت شعر .. فهو بذلك يريد أن يراكم بؤسهم حتى على مدى عقد أو عقدين من الزمن يصبحون مجرد خدم وفراشين ومطارزيه عن ابن المدينة المدلل – هذا عدا عن كونه قول واتهام لا يستحق حتى مجرد الرد لأن شواهد التاريخ والواقع ذاتها تفنده وترد عليه.. ولسان الحال أوفى وأبلغ من لسان المقال في إنجازات وإسهامات هذه الشريحة في خدمة الوطن والأمة فضلا عن رجالات كثر لم تتح لهم الفرصة بالظهور لتُعرف إنجازاتهم وثقافتهم وعلمهم .
أما الأمر الآخر الأهم والذي غالبا ما كانت الكتابات تعزف على وتره فهو العيب على هذا الشكل من البناء الاجتماعي (العشيرة) بالقول أنه ترتيب يقوم على القرابة والدم وليس على "الفكر" ..وبالتالي إظهار رابطة القرابة وكأنها تخلف وشيء معيب على المرء التنصل والخجل منه !! ومن ثم الادعاء بتعارضه مع التحديث والتقدم والادعاء انه ينافس ويعيق منظمات المجتمع المدني .. في محاولة من البعض أن يضع العشيرة كعائلة ممتدة وشكل من أشكال البناء الاجتماعي الطبيعي في مواجهة الحرية والتقدم والتحديث ورابطة الفكر ...الخ من المقولات وكأنما كانت العشيرة يوما هي التي تصدر فرمانات الأحكام العرفية وتضيق على الصحف وتهمش المفكرين والمتنورين وليست هي التي تنجبهم وتربيهم وتبتلى بتهميشهم وتطفيشهم وخسرانهم .. وهو لهذا ادعاء لا يقوم على أي سند منطقي اللهم أن يكون هو التجني أو الجهل بالحقيقة؟.. فلماذا نصر أن نضع رابطة القرابة في مقابلة رابطة الفكر أو بديلا عنها أو منافسا لها .. أو العشيرة في مواجهة فيم الحرية والحداثة ...الخ ؟ ولماذا نعتبر رابطة القرابة تخلف يجب أن نتخلص منه .. ..وهل أتخلى عن أخي أو ابن عمي لمجرد أن لي فكرا معينا أو له هو فكر مختلف عني مثلا ؟ أم أن الصواب هو أن رابطة القربى هي وشيجة أخرى مختلفة لها بدورها قدسيتها واحترامها ودورها الذي يدعم ويعزز أدوار الروابط الأخرى ولا يتعارض معها ؟ وكم ركبت التيارات الفكرية والأحزاب السياسية متن العشائرية حينما لم تجد من قواعدها الحزبية ما يضمن لها الفوز والوصول ؟
بل ولقد رأينا الكثيرين ممن كانوا يعيبون على رابطة الدم ويتوادون برابطة الفكر كيف انفصمت عرى روابطهم تلك وكيف غدا القومي قطري بل وعاد باسم العشيرة ومن خلالها نائبا أو وزيرا ثم تنكر لها ..أو البعثي كيف صار وطني محلي أو الأخ صار ليس بأخ ...الخ ..الخ ..الخ .. وكيف تفككت عرى روابط فكرية بكاملها وصارت من التاريخ .. فالفكر- ولا تقليل من أهميته – هو رابط متحول وليس ثابتا في حين رابطة القربى هي رابطة طبيعية تظل دواعيها قائمة ومتوارثة ودائمة.. ومع ذلك فرابطة الدم لا تطرح نفسها كبديل للفكر أو لإلغائها ولا تذهب لنفيها ..فلماذا إذا يراد لرابطة الفكر أن توضع في مقابل كل المفاهيم وهي ليست كذلك ؟
نخلص إلى القول أن العشيرة كوحدة بناء اجتماعي هي شيء رائع وهي هبة طبيعية وفخر لنا جميعا بل وعون وقوة سواء كأفراد أو كمجتمع أو كنظام.. وأفضل من أن تكون وحدة البناء هي الأسرة النواة مثلا .. أفضل للفرد ذاته وللمجتمع وللدولة وللأمن وللاستقرار وللتواد والتعاون والتعارف ....الخ .. وإذا أسيء استخدام وتوظيف هذه التراتبية الاجتماعية من قبل البعض أحيانا فليس هو ذنبها هي في ذاتها بقدر ما هو عيب في التوظيف والاستغلال فلنفرق بين مشروعية الشيء في ذاته وبين سوء توظيفه ..إذ ما الذي يضير بدلا من أن يكون أي واحد منا هو فلان بن فلان وفقط أن يكون هو فلان بن فلان الفلاني فتكون له أسرة اكبر ضمن أسرة الوطن الكبرى. بالتالي فإن الذين يدعون لإنهاء العشيرة والعشائرية لا يفكرون بعيدا ولا عميقا ويخطئون جدا حينما لا يلتفتون للوجه الآخر من العملة . أم أن علينا أن نخرج من جلودنا حتى يتقبلنا الآخر ..هذا إذا أعجبناه بعد ذلك أصلا ولن نعجب.. ولماذا علينا أن نغير كل يوم ثوب ونبدل كل يوم هيئة لنلبي رغبات البعض الذي بدورنا لم نشترط عليه شيء لنقبله كأخ مكافئ ؟!! ومن ساواك بنفسه فما ظلم.
وختاما فلا أرى الدعوة لتفكيك وحدة البناء الاجتماعي الطبيعية والطيبة التي عرفناها كمجتمع عربي منذ القدم وهي العشيرة دعوة تصدر عن وعي مسبق لنتائجها وآثارها إلا إذا كان من يدعو لها عارفا تماما لتلك النتائج ويدعو عن عمد وقصد وإرادة مسبقة وبدوافع مختلفة أو خدمة لأهداف ومخططات مبرمجة تهدف لهدم ركيزة من أهم ركائز تماسك البنيان الاجتماعي وقوته .. ما عدا ذلك فإن من يردد هذا الكلام هو ربما لا يعي معنى ونتائج ما يدعو إليه .
msallamk@yahoo.com