رئيس وزراء، بينهم الرئيس الحالي، اجتمعوا حول مائدة جلالة الملك. والرقم 13 يرمز للتشاؤم، لكن العدد مع الرئيس الحالي هو 15، والأرقام الدائرية تبعث على التفاؤل. وأسلوب الملك عبدالله الثاني في البحث عن جديد وعدم تكرار الأسماء (باستثناء معروف البخيت)، زاد عدد السابقين إلى ضعف العدد الموجود عند بدء ولايته.
في الديمقراطيات التقليدية يعود الرئيس الذي فقد الأغلبية بكلّ همّة لتزعم المعارضة، أو يتقاعد عن العمل السياسي ويتفرغ لرئاسة مؤسسة بحثية أو جمعية أو هيئة أو مهمّة إنسانية. وإذا لم يتقاعد، فمهمته الطبيعية هي معاودة الكفاح للعودة بحزبه أو ائتلافه إلى السلطة. ومغادرة المنصب الكبير هي دائما دراما شخصية صعبة، وهي عندنا دراما مضاعفة، وخصوصا لموقع رئيس الوزراء، فهو لم يخرج في معركة عادلة خسرها لصالح غريم مقابل، وهو ليس في سنّ التقاعد النهائي عن العمل، وهو لا يستطيع إنسانيا أن ينسى أنه كان في الموقع الأول ولا أن يكفّ عن التفكير فيه، بل إن المجتمع والنخبة الناشطة في العمل العام لا يمكن إلا أن تستمر في التعامل معه كشخصية سياسية كبيرة.
والحقيقة أن أغلب الرؤساء يصبحون سياسيين بفعل تسلمهم للمنصب الأول في الدولة (بعد جلالة الملك). وهذا يحدث أيضا على مستوى المنصب الوزاري، لكن الكثير من الوزراء يختفون نهائيا عن خريطة الحضور العام بمجرد مغادرتهم المنصب، وهذا ليس واردا بالنسبة لشخصية شغلت منصب "رئيس وزراء"، لكن الرئيس "السابق" يحار أين يتموضع في ظلّ النظام السياسي الأردني الحالي؛ فهو إذا عارض متهم، وإذا والى متهم، واذا حايد متهم.
و"الرؤساء السابقون" يعانون بطالة سياسية قسرية، لأن أي نشاط لهم يفسر بطريقة سلبية، وجلّ ما يقبل عليه قلّة منهم هو إلقاء محاضرات هنا وهناك. وفي اعتقادي أن عضوية مجلس الأعيان يجب أن تشمل حكما ومن دون استثناء جميع رؤساء الوزراء السابقين. فإذا كانت العضوية وفق الدستور مخصصة لطبقة كبار رجال الدولة والمجتمع، فكل رئيس وزراء سابق يتقدم جميع الآخرين، واستثناؤه لا يبدو مبررا بأي حال. والحال أن طبيعة النظام السياسي القائم حتّى الساعة –أي قبل الإصلاح السياسي العتيد والموعود- لا تتوفر على المؤسسات والقنوات الطبيعية خارج مجلس الأعيان ليلعب هؤلاء دورا سياسيا مناسبا.
اجتماع الرؤساء كان يؤشر لا شكّ على حرج المرحلة. وحسب ما تسرب، فإن عبدالكريم الكباريتي المعروف بجرأته الاستثنائية قال شيئا قريبا من ذلك بصيغة عاتبة. ولو كانت هناك حياة سياسية حرّة تنافس على السلطة التنفيذية، لما كانت هناك حاجة لهذا العتب، ولكان أغلب الرؤساء السابقين إمّا منخرطين في العمل السياسي في مواقع واضحة بكل فعالية، أو منشغلين طواعية في العمل الخاص بعيدا عن أي طموح سياسي.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد