توجيهي وغش جماعي وبدائل أسوأ
ياسر زعاتره
12-01-2012 02:23 AM
نتفهم ببساطة أن يبادر طالب مراهق في الثانوية العامة إلى محاولة الغش من زميله (ينطبق ذلك على الطالبة بالطبع)، أو أن يحمل في جيبه “كبسولة” فيها بعض المعلومات التي يتوقع أن تفيده في الامتحان.
تلك شقاوة مارسها الكثير من الطلبة في مراحلهم المختلفة، ولكن أن تغدو هذه الممارسة جماعية، بمعنى أن يمررها الأهل ويعتبرونها أمرا عاديا من أجل تأمين نجاح ابنهم في الامتحان، أو حصوله على علامة أعلى، فهذا يعبر عن حالة مؤسفة تشير إلى أن تناقض مع القيم التي تعارف عليها البشر، وفي مقدمتها العدالة والمساواة، وهي قيم أصيلة في وعينا الديني والاجتماعي.
لعل البعد الأكثر أهمية لامتحان الثانوية العامة (التوجيهي) هو المتعلق بالعدالة والمساواة، إذ كم من فقير معدم تفوق على أبناء الكبار والأعيان بذكائه الفطري وجهده المتميز، وكلنا يعرف حالات لطلبة كانوا يعملون طوال العام من أجل تأمين الحاجات الأساسية لأهلهم، وتمكنوا رغم ذلك من اجتياز الامتحان بتفوق.
صحيح أن أشكالا من التمييز غالبا ما تبدأ بعد ذلك، على صعيد القبول الجامعي ومن ثم العمل بعد التخرج، وكل ذلك عبر الواسطة والمحسوبية والإمكانات المتفاوتة بين الناس، لكن التوجيهي يبقى محطة يشعر فيها معظم الناس بالعدالة والمساواة.
الذين يطالبون بإلغاء الامتحان بدعوى ما يسببه من توتر للأسر والعائلات لا يقدمون بديلا مقنعا في واقع الحال، إذ تنطوي البدائل المقترحة على مساحة أكبر للتمييز والفساد، لاسيما أن إمكانية حصول الطالب في المدرسة العادية، أكانت حكومية أم خاصة على علامات أكثر مما يستحق تبقى واردة إلى حد كبير، ولطالما تندر طلبة المدارس على التمييز التقليدي لصالح ابن المدير أو أحد المعلمين في المدرسة.
اليوم هناك من يسعى إلى ضم التوجيهي إلى ظاهرة الفساد والبلطجة والمحسوبية التي تجتاح حياتنا على نحو لافت، وذلك عبر تقنين قضية الغش، أو ممارستها عبر آليات التخويف والبلطجة. وهي ممارسة تبقى مفهومة كما قلنا حين يمارسها طالب على نحو منفرد، أما إرادة تحويلها إلى ظاهرة عادية، فلا يمكن أن تكون مقبولة بأي حال.
وحتى لا يذهب البعض إلى تلك الروح التقليدية المؤسفة في النظر إلى الأمور، فإننا نشير إلى أن الظلم الذي تنطوي عليه هذه الظاهرة لا يتعلق بمنطقة دون أخرى، بل يصيب الجميع، بما في ذلك الطلبة في نفس المدرسة، بل حتى القاعة الواحدة، التي يتوفر فيها أذكياء ومجتهدون يمكن أن يضعهم الغش الجماعي على قدم المساواة مع آخرين أقل ذكاء، أو لم يبذلوا مثل جهدهم في الدراسة.
هل ثمة طالب متفوق بذل جهدا في التحصيل يقبل أن يتساوى مع الآخرين، حتى لو كانوا أبناء عمه أو من أقاربه؟! قد يضطر تحت سطوة العلاقات الأسرية إلى الإجابة بنعم، لكن حقيقة موقفه تبقى غير ذلك بالتأكيد.
إن المسؤولية هنا تقع من دون شك على الحكومة، فالعدالة والمساواة لا تكون فقط بالحيلولة دون تسريب الأسئلة، أو العدالة في التصحيح، بل تكون أيضا عبر توفير أجواء نظيفة لتقديم الامتحان ومنع أي شكل من أشكال التشويش على الطلبة، فضلا عن تحويل المدارس والقاعات إلى مهرجانات للغش الجماعي.
نشعر بالغصة ونحن نكتب في أمر كهذا من المفترض أن يكون من البديهيات في مجتمع ينادي أهله بالحرية والعدالة والمساواة ورفض الفساد، وعزاؤنا أن الظاهرة التي نتحدث عنها لا تزال في نطاق محدود، بينما تتوفر أجواء معقولة في معظم الحالات ويحصل الطلبة على نتاج ذكائهم وجهدهم. أما المحطات التالية وما تنطوي عليه من تمييز فتحتاج وقفات أخرى تشغلنا عنها قضايا السياسة الكبرى التي تشكل العنوان الأبرز لصلاح الأمة، وصلاح البلاد بحسب نظريات الكواكبي في “طبائع الاستبداد”.
الدستور