بالضرورة، سيكون حديثنا على إطلالتين؛ القريبة وهي إضاءة على موضوع، يبدو للوهلة الأولى أنه معروف وبسيط، وأن الحديث حوله لا يعدو كونه نافلة قول، ونقصد بذلك كلمة «المواطن» ثم مفهوم «الصلاح». أما البعيدة في الرؤية فهي ما تعلقت «بالمواطن الأردني» على وجه الخصوص والتحديد.
المواطن هو عضو في مجموعة سياسية إقليمية، تملك حقوقاً وتخضع لواجبات موحدّة بالاستقلال من حيث المبدأ، يحدد قانون الدولة شروط الانتماء الواردة فيه والتي تمنح أو تمنع، حسب ما تفرضه المصلحة العامّة، وحسب ما تقدره الهيئة الحاكمة، على أن يكون ذلك ضمن القانون الذي يقتضي المساواة والعدالة، مع الابتداء بضمان المشاركة الصحيحة والفاعلة في صناعة القرارات، إما بصورة مباشرة إن أمكن، وإما عن طريق تسمية ممثلين يملكون صلاحيات تأسيسيّة، وتشريعية، وتنظيمية باستثناء ما تعلق بالأمور الدينية، أو الوضعية فوق الدستورية.
لقد جعل المفهوم القديم للمواطن الصورة الأسمى «للحكيم»، القادر على سلوك مستقل، والموكول إليه مهمة حماية نفسه ضمن الدفاع عن «المجموعة»، بالتزامن مع الخضوع لقانون مشترك، يربط المواطن بالسلطة المُلزَمة بتأدية واجباتها مقابل الطاعة التي تتلقاها، وذلك انطلاقاً من فكرة التعاقديّة، القائمة على ثلاثة عناصر؛ العنصر المدني، وعنصر المساواة أمام القانون، وعنصر الحرية الشخصيّة، وما يتلازم مع ذلك من حرية الرأي والمعتقد والملكية والانتخاب وغيرها. وقد مرّ ذلك في ثلاثة قرون؛ القرن الثامن عشر حيث نمت المحاكم، والقرن التاسع عشر الذي عرف بأنه عصر الجمعيات السياسية التمثيليّة، والقرن العشرين حيث نمت القوّة التعليمية التثقيفيّة والخدمات الاجتماعية. أما القرن الذي نعيش مَطَالِعَهُ فسيكون عصر المواطنة التكنولوجية والصناعيّة وتوسّع حق المشاركة في إدارة المؤسسات والوحدات الاقتصادية، وأكثر من ذلك ترسيخ مبدأ الانتقال من حكم القلّة إلى حكم المجموعات السياسية العصرية المتناقض مع سيطرة السلالات والطبقات.
ولكن، وهذا ما يقلق، بدأ هذا القرن وكأنه سيشهد ظهور التوترات الدينية التي تخترق كثيراً من الدول المعاصرة.
ويبدو أن «مواطن النظرية السياسية الحديثة» يتميز بكونه يشكّل وحدة غير قابلة للتجزئة في حقوقه المدنية والاجتماعية والسياسية، وَفيّة لمجموعة سياسية شرعية واحدة (الدولة الأمّة)، تعطي الأولوية للمصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة. ومن الممكن أن تكون هذه المجموعة وهمية إلى حد كبير، مع إدراك أن هذا الوهم هو أمر ضروري للحفاظ على السديم الاجتماعي، ومع الإقرار بأن «المواطنة» تقدم ضمن نظام متماسك يضمن للفرد أن لا يكون خاضعاً إلاّ لحكومته التي تحفظ حقوقه وتحظرها على الآخرين من خارج الحدود، مع أن القرارات التي تعرض نفسها عليه آتية من أجهزة وطنية، وأحياناً فوق المواطنين، مع عدم إغفال وجود حقوق للعديد من الأفراد من غير المواطنين والمقيمين معهم على ذات الأرض.
إن هذا لا يمنع أن يكون المواطن، في الواقع وعلى وجه الحق، منتمياً إلى عدّة مجموعات، ومن ضمن ذلك ازدواجية الجنسيّة أو تعددها، الأمر الذي يؤدّي أحياناً إلى خلق معضلات وأزمات مقلقة خاصة إذا ما دخلت الدول في صراعات أو نزاعات أو خلافات عقائدية أو سياسية أو حتى عسكرية.
وهكذا، فإن المصلحة العامّة، قد دخلت، في عدّة أزمان، في حالات شك أساسها عيوب خاصة تقوم حول توجّه المواطن نحو تفضيل مصلحته الخاصة، مع عدم الاكتراث، ولو نسبياً، بالخير العام. وهذا ما نلمحه كثيراً في الحواضر السياسية الرسمية التي تتجاذبها المصالح والهويات والانتماءات. والأخطر من ذلك أن تذهب السلطة في هذا الاتجاه عندما يبدأ النظام السياسي بالاهتمام بمصلحته الذاتية دون الاكتراث بمصلحة المواطن.
أما في الأردن فلنا حديث مباشر مع فَهْم معنى «المواطن الصالح».
الرأي