قرأت مؤخرا في كتاب للروائي علاء الأسواني بعنوان (نيران صديقة),أن مكتشف العالم الجديد هو فعليا ليس كريستوفر كولمبس وانما ملامح عجوز موهوب اسمه (بنزون ) كان يرافقه على السفينة ,ولكن قدر بنزون ان يخلق باهتا ,غمر اسمه النسيان في ضجة المجد التي انطلقت حول كولوبس اللامع ,وهكذا أعزائي مختلف الأمور في حياتنا يكون نصيب اللامعين فيها أكبر من خلال الأعلام والأخبار ,ويقولون في المثل الشعبي الذي أخالفه (ان طلع صيتك ...خبي راسك),خوفا من الحسد وفي الواقع العكس.

أردت من هذه المقدمه البسيطة أن أؤكد على قيمة الرأي العام في قبول أو رفض حقيقة ما ,وهنا أرجوكم طبقوا معي هذا المنظور على السلع الأردنية التي تم وشمها بعبارة ( صنع في الأردن ) ,حدثني صديق كنت أعتبره مثالا للأردنيين المنتمين عن طريقته في التسوق فهو يستثني من قائمته كل ما كتب عليه الأردن ,باعتبار أن المنتج المحلي أدنى جودة وقيمة ولا يرق لمستوى ادخاله منزله ,عندها ما كان مني الا الأستنفار وقد أثار كلامه غضبي وامتعاضي ,وبدأت الأجراءات الفورية لحذف اسمه من قائمة المنتمين وأنقلها الى جهة الجاحدين ,وبدأت اقناعه بأن هناك صناعات أردنية غذائية بالذات تنافس الصناعات الأجنبية من حيث الجودة والمواصفات العالمية ,وقد وصلت صادرات الأردن من الخضار والفواكه والتمور واللحوم المصنعةالى دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ,وهنا أجاب بابتسامة خبيثة ان ما يصنع للتصدير لا يباع في السوق المحلي ....قد يكون كلامه صحيحا فيما يخص جودة المنتجات المخصصة للتصدير ولكن هذا لا يعني بالضرورة رداءة المنتجات المحلية ,بكل أسف نحمل بأيدينا سكاكين الدينونة نطعن بها أنفسنا دون أدنى احساس بالمسؤولية والانتماء.

لقد أثلج صدري ما رأيته خلال السنتين الأخيرتين كلما سافرت على متن طائرات الملكية الأردنية حيث اتبعت سياسة تقديم الضيافة من طعام وشراب من الصناعات الأردنية في جميع رحلاتها من عمان ,كنوع من تعزيز الصناعات المحلية.

بالمقابل أتفاجأ برغبة بعضهم الملحة على تقزيم مقدرات الوطن والأصرار على تغبيش الصورة في حال طفت الأنجازات على السطح ,حاملين أقلامهم المسمومه ليضعوا شارات الأستفهام حولها ,جاحدين الجميل من وطن أحتضنهم وأحبهم بحلوهم ومرهم.فهاهي الصحافة تشارك في مركب صيادي الماء العكر ,تطالعنا بخبر اغلاق مصنع للحلويات وكأنه مصنع تخصيب لليورانيم ,وفي يوم آخر تتسابق الصحف الورقية والألكترونية على نشر خبر اتلاف مواد غذائية غير صالحة للأستهلاك البشري ,فيكون له صدى أقوى من خبر اتلاف خط امداد الغاز المغذي للمملكة ...أستهجن هذا التضخيم وكأن الأمر مفاجئ وغريب وما هو بالواقع ليس سوى عمل روتيني يومي تقوم به الجهات الرقابية وعلى رأسها المؤسسة العامة للغذاء والدواء بهدف الحفاظ على صحة وسلامة المواطن ,فليس جديدا أن تقوم الجهات الرقابية بتحويل المصنع الفلاني الى المدعي العام أو المحكمة المختصة من أجل ايقاع عقوبة رادعه بحق كل من تسول له نفسه العبث بصحة وسلامة المواطن وهذا لا يعني أن يؤخذ الأمر بمنظور السبق الصحفي محليا وبمنظور الفساد الغذائي الأردني في الخارج ,وتكون النتيجة مساهمة مباشرة في تشويه صورة المنتجات الأردنية في الداخل والخارج.

في النهاية أتمنى عليكم مستلي الأسلحة المسماه بالأقلام ,أن تتريثوا كثيرا وكثيرا قبل طعن الصناعات الأردنية بتقاريركم التي تدعون ,وصدقوني لن تصفق الجماهير ابدا لمن يطعن بأهله ووطنه ,ولاتنسوا أن تبحثوا دائما عن عبارة (صنع في الأردن ) فهي حقا فخر وثقة.

فلنبق مع هذا الوطن المنبعث في النفس فرحا أبديا
لآنه وحده فوق صارية الدنى وشروق شمسه للحياة حياة
هم يسندونه رغم قلة حظهم قد تسند الجبل العظيم حصاة