وصف رئيس الوزراء عون الخصاونة, الضمانة الملكية لمخرجات لجنة الحوار الوطني, بأنها " غير دستورية". وهو يعبّر بذلك عن الموقف السياسي لحلفائه "الإخوان" الذين قاطعوا تلك اللجنة في حينه, وأداروا الظهر للحوار الذي انخرطت فيه كل الأطياف الوطنية, وتوصّل إلى وثيقة سياسية تمثّل الحد الأدنى للإجماع.
كان الخصاونة غائبا عن البلد ¯ وعن الدرس ¯ حين تشكل مناخ الحوار ولجنة الحوار وما رافقهما من مناقشات وتجاذبات . وكان نهج الحوار كله سيسقط لولا الضمانة الملكية لنتائجه. هذه الضمانة, إذاً, سياسية وتأسيسية, وجاءت لتعالج لحظة صعبة من الاضطراب وانعدام الثقة العامة. وفي تلك اللحظة, كان هنالك توافق ضمني غير مكتوب على تعليق الدستور السابق وتعديله وفقا لتوجهات الحوار. وقد تمت تلك التعديلات فعلا, وأصبح لدينا نص دستوري جديد ... هو الذي اراد الخصاونة ضربه لكي يكفل لنفسه دورة رئاسية ثانية! فلا يتحدثنّ, إذاً, عما هو دستوري وغير دستوري!
كان الخصاونة غائبا عن البلد ¯ وعن فهم عمق الأزمة ¯ وأظنه ما زال! ¯ حين توافقت التيارات على حسم قضايا التجنيس والمواطنة ومتعلقات فك الارتباط مع الضفة الغربية كمقدمة لا مناص منها للبحث في التعديلات الدستورية وحزمة قوانين الانتخابات والإصلاح السياسي . وقد توصل الحوار, داخل اللجنة وخارجها, إلى توضيح الخطوط والفصل في تلك القضايا البالغة التعقيد والخطورة, وتقديم تنازلات متبادلة. وبناء على ذلك, قدمت اللجنة, توصيتين رئيسيتين هما: (1) التوصية بإخضاع سحب ومنح الجنسية (بالنسبة للمعنيين الفلسطينيين) لقرار مجلس الوزراء, بدلا من وزارة الداخلية, وذلك لإخراج هذا الملف الحساس من دائرة العشوائية والاتهامات المتبادلة بالسحب والمنح الكيفيين. وقد أقرت حكومة الدكتور معروف البخيت هذه التوصية فعلا, إلا أن حكومة الخصاونة, وضعت ذلك جانبا, وبدأت بفتح باب التجنيس على مصراعيه بحجة معالجة التظلمات,(2) التوصية بتشكيل لجنة حكومية للبحث بمتعلقات قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية لسنة 1988 واتخاذ القرارات والإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لطي هذا الملف نهائيا. وقد قامت حكومة البخيت أيضا بالاستجابة لهذه التوصية, وشكلت لجنة بهذا الخصوص, طوتها حكومة الخصاونة أيضا.
ولا يبدو الخصاونة مهتما بحقيقة أن شطب وثيقة الحوار الوطني, تعيدنا إلى المربع الأول; فلا قانون انتخابات جديدا ولا انتخابات شرعية تنتهي الى حكومة نيابية, قبل حسم ملف التجنيس والمواطنة وقوننة فك الارتباط. والتجاوز على هذا الترتيب سيقود البلاد إلى انشقاق أهلي لا يعلم سوى الله عواقبه.
لنواجه الموقف بصراحة : نحن الآن أمام حكم انقلابي على التفاهمات الوطنية المؤطرة بضمانة ملكية. إنه حكم إنقلابي يستهدف ضرب الشرعيتين الوطنية والملكية والتأسيس لتسليم السلطة للإخوان المسلمين من خلال فرض نظام انتخابي مفصل على قياسهم بالذات. وهكذا, لم يعد بإمكاننا سوى التوجه لصاحب الضمانة باستخدام صلاحياته الدستورية لإقالة حكومة الخصاونة بلا تأخير و وضع حد للحكم الإنقلابي.
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم