كلمات غير محببة ، ليست قريبة الى القلب ، يتقبلها العقل بتردد ، إلا أنها في كثير من الأحيان تمثل التيار السائد والمحور الناجح – فيما يضعها البعض في سياق الاستسلام لشأن ما أحدث تغييراً على مستويات مختلفة .
فالتغيير الإجتماعي واقع لا بد لنا أن نعترف به ، وخاصة في عهد الفضائيات وتقدم التكنولوجيا واتساع انتشارها واستعمالها من قبل شرائح كبيرة في مجتمعاتنا ، وعلينا أن نضع الأُطر العلمية و الأخلاقية لكيفية التعامل معه.
و التغيير الإقتصادي اخذ يتطلب استحداث آليات جديدة تساعد في النمو الإقتصادي وتشجيع الإستثمار محلياً ليكون بديلاً عن الأداء البيروقراطي و الترهل الإداري اللذان يعيقان كل استثمار وتقدم ، ثم إثراء ذلك بالمشاركة العالمية و التعاون الدولي ما بين الدول الغنية و الدول الناشئة .
أما التغيير السياسي ، فهو الذي أخذ ابعاداً في غاية الأهمية ، وخاصة في الأسابيع القليلة الماضية لما له علاقة واضحة بالمسار الفلسطيني والإصلاحات في العالم العربي ، وما عاد هناك عقلانية في الجنوح الى القتال و المشاكسة - وما علينا كعرب وفلسطينيين إلا بتسويق قضايا لدى المؤسسات العالمية و النوادي الفكرية .
إن عدم القدرة على تشخيص المرض العربي أدَى الى التمزق و التشرذم الجغرافي و الإجتماعي و السياسي . فهو تبيان لضعفٍ في الأداء المحلي والتعامل الخارجي ، وذلك من جراَء غياب المؤسسات الديمقراطية و المركزية المتزمته وعدم المشاركة في إتخاذ القرار و النفاق السياسي و الكذب العام من أجل الكسب المادي والمعنوي والجهوي – إضافة الى عدم مشاركة فكرية فعاَلة للصحافة المحلية في عالمنا العربي في الحوار الديمقراطي من خلال الرؤيا الواضحة و النتائج المرجوة للأحداث.
قال دين اتشيسون وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1947 " أن العرب و اليهود سيسلِمون بالأمر الواقع دون اللجوء الى قتال ، وأن حكومته على إستعداد لمساندة قيام دولة ثنائية ".
هل أهتمت القيادات الفلسطينية انذاك بهذا التصريح ، أم انها أهملته دون أن تعطيه أبعاداً عملية أبَان نكبة عام 1948 .
العالم يسمع اليوم أصواتاً أمريكية مسؤولة تنادي بإقامة دولة فلسطينية لها حق التواصل الجغرافي والحياة بمحاذاه الدولة العبرية . جاء هذا في الوقت الذي حظي به الشعب الفلسطيني بقيادة رائدة لها فكر واقعي ومخطط منظم وشفافية واضحة – وما قام به سيادة الدكتور محمود عباس منذ أن تسلم الأمانة وأخذ تفويضاً من شعبه في الداخل والشتات فيه الاخذ والرد ، وفيه الصبر والمعاناة ، وفيه التخطيط لما بعد نتنياهو وليبرمان .
وكما قال دافيد ويلكرسون في موعظته في نيويورك في 16/11/2001 " أكاد أسمع أصوات فرسان معركة مجيدو الأربعة "– قالها الرئيس بوش أن قيام دولة فلسطينية مستقلة أصبح في متناول اليد وإختـَّط سياسة ً معاكسة لها.
القِلة تعتقد وتجزم أن لا مجال للتعايش مع اليهود ، وهناك أكثر من قِلة في إسرائيل تردد المقولة نفسها – إلا أن الأكثرية الصامتة في الشعبين الإسرائيلي و الفلسطيني وخلفهما الشعب العربي والعالم بأسره بما في ذلك بريطانيا التي خلقت المشكلة والولايات المتحدة الأمريكية التي تبنتها – والكل ينظر الى مشاركة فعلية من أجل أمن و إستقرار و إزدهار المنطقة برمتها.
لا أظن أن اليهود ينسون أو يتناسون أنهم في الوقت الذي أغلقت اوروبا أبوابها أمام الهاربين من إسبانيا ، وجدوا في الإمبراطورية العثمانية ملجأ لهم ، مثلما عاشوا في عهد الأندلس وشاركوا في حضارته وبنيانه.
لم يقتلهم قناص حاقد كالذي قتل التلميذة الفلسطينية في رفح أو الضابط الدرزي الإسرائيلي الذي أفرغ رصاصه في جسم التلميذة التي استشهدت – بل العكس من ذلك فهم عاشوا بحرية وإستقرار إجتماعي.
إن إندماج السياسة بالهوس الديني و الكراهية العرقية إن كانت عربية أو يهودية أو بريطانية أو أمريكية ، فهذا لن يساعد إلا على الإرتداد الفكري ويدفع صاحبه نحو التشدد و التطرف و الإرهاب.
لا يهمني ما يقوله غلاة التعصب الديني في أمريكا أمثال جيري فالويل وبيلي غراهام وبات روبرتسون وجون هاغي وتيم لاهاي وهال ليندزني وغيرهم – ولكن ما يهمني ما يصب في مصلحة الشعب الفلشسطيني والصدى العالمي والسلام المنشود .
على العلماء و المفكرين والساسة و الصحفيين والمهنيين ورجال الأعمال وأئمة الفقه في جامعاتنا ومؤسساتنا أن يتناقشوا ويتحاوروا مع هؤلاء الغلاة رغم أن ذلك بحد ذاته يكون له بالمقابل ردَة فعل لدى شبابنا لعشرات بن لادن و الظواهري وأبومصعب الزرقاوي .
ليتشابه ذلك مع دخول الجنرال ادموند اللنبي الى القدس بتاريخ 9/12/1917 وقال “الآن انتهت الحروب الصليبية" – ماذا كان بعد ذلك ؟ اندلعت الثورة الفلسطينية ضد اليهود و البريطانيين في سبتمبر عام 1923 ولم ينته الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتى يومنا هذا .
الرئيس اوباما ينادي بالمزيد من الإصلاحات والحرية و الديمقراطية لدول عربية اخرى – مع تهديد مبطن لسوريا وإيران .
إن الغلاة المتطرفين يرددون ما جاء من سفر إشعياء (17:1) “انظروا فإن دمشق لن تبقى مدينة بعد الآن ، بل ستصبح كومة من رماد “.
لا أظن أن الرئيس اوباما في فترة حكمه الحالية له رغبة في إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط إلا أنه أبدى تصميمه على القيام بالإصلاحات في إطار من الحرية و الديمقراطية وكرامة المواطن – وهذا ما نحن بحاجة اليه.
أن ابناء الأمة العربية منذ تشرذمها وإنقساماتها وحروبها الجانبية من أجل السلطة ينطبق عليهم ما جاء في كلمات قصيرة كتبها المبشر دانيال بلس في عام 1772 عللى قبر زنجي أسود :
. رغم أنه ولد في بلاد العبودية
. فقد ولد حراً
. ورغم أنه عاش في بلاد الحرية
. عاش عبداً
. وأخيراً منحه الموت حريته
· فالتخلف و العبودية والنفاق السياسي أنزله بنا الإستعمار الأوروبي و الإنقسام و التجزئة في الصف و الفكر العربي وعدم الفهم الأمريكي للتراث العربي و الإسلامي وإكتفائهم خلال الحرب الباردة بدعم أنظمة الهيمنه والقمع التي كانت الرواسب الأساسية لما نراه اليوم من تطرف وتشدد و ارهاب .
~ وقد قالها خليل مطران الشاعر اللبناني القومي في مطلع القرن الماضي: هم حكَموه فاستبد تحكماً وهموا أرادوا أن يصول فصالاً.
· أن ما نحن بصدده الآن هو التجاوب الكامل لما يستلزمه واقع الحال ليتلازم ذلك بلقاءات بين الثقافتين اليهودية و المسيحية مع العربية و الإسلامية .
~ فكما ولدت الإعتقادات والمسيحية وترعرعت في كنف الفلسفة اليونانية ، كانت هناك مؤثرات كبيرة في الديانة الفرعونية على اليهودية ، ثم جاء الإسلام ولم ينكر اليهودية أو المسيحية وأعترف بهما.
فإذا كان الله قد أعطى وعداً لسيدنا إبراهيم علية السلام بأن "سيكون مؤسساً لأمة عظيمة " ( التكوين 12: 1-3 ) – فهذه الأمة هي اليهودية و العربية على حد سواء .
· إننا الأن نقف أمام تيار جارف ليس بالمستطاع إيقافه عربياً أو أمريكياً أو يهودياً ، وهو من ثمار ما عانته شعوبنا من الإستعمار القديم و الجديد وكيانات هزيله استبدادية قمعية وهزائم متواصلة لا قدرة لأحد أن يتحداها وإنما بالإمكان استيعابها وتقليل إندفاعها .
· انه الأمر الواقع الذي يفرض علينا قادة وشعوباً أن نحدث تغييراً جذرياً في إستراتيجيتنا وفي تعاملنا مع بعضنا ومع الغير – وكل ذلك يصب فيما قاله الرئيس اوباما بأننا في هذا الجزء من العالم بحاجة الى المزيد من الإصلاحات الفعَالة لا الوهمية والخادعة في إطار من الديمقراطية و الحرية وكرامة الإنسان ومحاولة فهم وإحترام الغير وحتى لو إختلفنا معه.
· إن بُعد الفكر السياسي في سياق الحدث المنشود يؤدي إلى الغاية التي يبتغيها كل مفاوض من أجل الوصول إلى حق شعبه في الحياة الحرة الكريمة وفي دولة ديمقراطية مستقلة بكنف السلام الشامل و الدائم و العادل .
· لا زالت هناك متناقضات تتواجد على الساحة الفلسطينية والتي على القيادة المنتخبة وبالتنسيق مع كافة القوى الوطنية إبان الانتخابات التشريعية في يونيو القادم أن تتحلى بجرأة القرار ومصداقيته لتطوير ديناميكية النضال وتضعه ضمن الأطروحة السياسية – لذا ، فالقيادة الفلسطينية المنتخبة مدعوة بمطالبة الفصائل الفلسطينية بحل نفسها ولتأخذ مسميات جديدة وتترشح كوادرها في الانتخابات التشريعية القادمة بعد أن تكون قد دعمت قواعدها ووسعتها ضمن النطاق الحزبي .
· ان مرحلة تواجد الفصائل الفلسطينية قد انتهت ، وأصبح تواجدها يتعارض مع عملية السلام التي تتسارع الآن بفضل الدعم الأمريكي والديبلوماسية الاردنية والتعاطف الأوروبي والمساندة العربية و النوايا الإسرائيلية .
- من اجل الصالح العام يتوجب على قادة الفصائل التحرر من القيد الذي وضعوه على أنفسهم وأن يكون اهتمامهم للمتطلبات المؤسساتية التنظيمية في العمل السياسي الحر من خلال مجلس تشريعي منتخب.
· إن شعبنا الفلسطيني في الداخل و الشتات يصبوا الى مجلس تشريعي تتكون فيه الرؤيا الفكرية المستقبلية – فالساحة الفلسطينية لا تخلو من قادة وأتباع مخلصين وأخرين شبه غائبين – فيها كل الأطياف الفلسطينية التي ما تخلَت يوماً ما بحق وطنها وشعبها وقضيتها – لنبدأ مرحلة جديدة فيها الرؤيا الواضحة القادرة على كسر الفوضوية وتأرجح الآراء واللاعودة لفراغ المؤسسات اللاتنظيمي الذي عانينا منه في الماضي – مجلس تشريعي قادر على إقرار الرأي السياسي والتعايش مع معارضة بناءه وأمن موحد.
· فبالنوايا الطيبة و الدوافع النبيلة يتخذ المجلس التشريعي القادم كافة القرارات حول النظام ويلتزم بالفكر التعددي – و القيادة المنتخبة تولي اهتمامها للنمو الإقتصادي من خلال عملية السلام وإعادة الهيكلة السياسية لبناء شرعية يمكن للديمقراطية أن تعتمد عليها .
· إن النضوج السياسي و الخبرات العملية لدى شعبنا في سنوات النضال و العطاء قد اعطته القدره على التكيف مع الأحداث حتى يتمكن من تقديم الدعم لقيادته المنتخبه ومنحها الثقة الكاملة لتمضي في الطريق الشائك الطويل بدءاً بالخطوة الأولى التي تبعت مقولة سيادة الدكتور محمود عباس –" الحوار بدل الرصاص والجوار بدل الجدار" والذي سيوصلنا الى نهاية النفق المظلم بإذن الله.