دعيت إلى مأدبة ملكية كريمة ظهر يوم الأربعاء 4/1/2011م, مع كوكبة من الخبراء في مجال الاقتصاد والمال; من أجل التباحث في الوضع الاقتصادي الأردني الذي وصف بأنّه حرج ويبعث على القلق, ويذهب بعضهم إلى أنّ المشكلة التي تعاني منها المنطقة كلها, بل معظم دول العالم, هي مشكلة اقتصادية بالأساس, ولذلك يجب الالتفات إليها بوصفها الأولوية الحقيقية.
وتمّ الحديث عن المديونية المرتفعة, وعن العجز التجاري, وعن المشكلة الكبرى المتعلقة بموضوع الطاقة, وموضوع المياه, وموضوع الفقر والبطالة والركود الاقتصادي.
وفي هذا المجال يجب التركيز على الارتباط الوثيق بين مسارات الإصلاح كلها, وأنها تشكل منظومة واحدة, ولذلك لا يمكن الفصل بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي, بل إنّ الإصلاح السياسي هو المدخل والبوابة الطبيعية للإصلاح الاقتصادي ولكل مجالات الإصلاح الأخرى; لأنّ الاقتصاد الناجح هو ثمرة إدارة سياسية ناجحة, وثمرة منهجية ناجحة لإدارة الدولة بكاملها, ولذلك لا يمكن إيجاد إصلاح اقتصادي في ظل فساد واستبداد سياسي.
والأمر الآخر أنّ الاقتصاد الناجح هو الذي يتمّ بمشاركة الشعب بكل قواه السياسية ومكوناته الاجتماعية, من أجل الوصول إلى اقتصاد قومي متكامل يكون المواطن فيه هو العمود الفقاري, وبغير المشاركة الشعبية الفاعلة يبقى الشأن الاقتصادي حكراً على النخب وحديث الصالونات, وهذا مدعاة للقطيعة بين فئة الأثرياء وفئة العاملين المعوزين, ولا ينجح الاقتصاد إلا بلقائهما والمشاركة الفاعلة بينهما, وهذا لا يتمّ إلاّ ببناء الثقة بين المواطن وصاحب القرار, وبناء الثقة يحتاج إلى مكاشفة وشفافية ونزاهة ومنافسة عادلة, وتحييد لأصحاب النفوذ والسلطة من التدخل بهذا الشأن الحساس والخطير.
وممّا يجب الالتفات إليه العمل بروح الفريق الواحد, بين مكونات الدولة, ومحاربة ظاهرة مراكز القوى التي تتنازع السلطة, والسيطرة على مفاصل الدولة, مما يؤدي إلى الفوضى وانعدام الاستقرار الذي يؤدي إلى عرقلة النماء وعرقلة الإنتاج الاقتصادي الفاعل.
الأردن بحجمه وموقعه, وافتقاره لمصادر الطاقة, وقلة المياه وندرة الشواطئ, بحاجة إلى التفكير للاستثمار في الإنسان, فالإنسان الأردني المدرب والمثقف والمتعلم جيداُ يمكن الاستثمار به وفي الطاقات البشرية مورداً اقتصادياً مثمراً, وهذا يحتاج إلى مرتكزات عدة أهمّها:
المرتكز الأول, إصلاح سياسي حقيقي وإرساء معالم الديمقراطية الحقيقية التي تحفظ كرامة المواطن وتصون حريته, وتفجر طاقاته وإبداعاته في جوّ صحي مناسب.
المرتكز الثاني, تشجيع العقل الأردني على الإبداع والابتكار عن طريق تنمية البحث العلمي, ورفع سوية التربية والتعليم, بمضاعفة موازنتها, ويمكن إنشاء صندوق قومي لدعم البحث العلمي والإبداع يسهم بموارده القطاع الخاص, عن طريق فرض 1% على الموازنات العامّة أو اقتطاع نسبة محددة من الأرباح.
المرتكز الثالث, إعادة النظر بموضوع الجامعات, وموضوع التعليم كلّه, من حيث تجويد التعليم وتحسين المخرجات, وضبط المرتكزات وتطوير البيئة القانونية والتشريعية بحيث يجب أن نرى موقع للجامعات الأردنية في قائمة تضيف الجامعات على مستوى العالم, ويجب إعادة النظر في سيطرة الأثرياء والتجار على الجامعات; حتى لا يطغى معيار الربح والتجارة على معيار الكفاءة العلمية وإتقان التخصص.
أمّا المسار الآخر والأكثر أهميّة فهو المسار الثقافي, الذي تتحمّل مسؤوليته جميع الأطراف الرسمية والشعبية والسياسية, بحيث يجب التعاون على إرساء ثقافة الترشيد ومحاربة ثقافة الإسراف, وإرساء ثقافة الضبط ومحاربة ثقافة المفاخرة والمباهاة, وإرساء ثقافة الولاء والانتماء للوطن ومحاربة ثقافة الهزيمة والتبعية وتقليد الأجنبي.
كما يجب التعاون على إرساء ثقافة المشاركة في حل القضايا المستعصية مثل قضية المياه, عن طريق إلزام كل من يبني بيتاً بإنشاء بئر لجمع مياه الأمطار وتشجيع فكر الحصاد المائي, ومقاومة التصحر, والحث على الصداقة مع البيئة والاتجاه نحو المصادر المتجددة والنظيفة, والأردن مؤهلة للقيام بهذا الدور الاقتصادي بطريقة علمية وشعبية وثقافية.
وقبل كلّ ذلك وبعده يجب أن تقرأ المرحلة قراءة دقيقة, وأن نقرأ المشهد السياسي الإقليمي, وإدراك عمق التحول الذي يجتاح المنطقة, ويجب البحث عن موقع متقدم للأردن في مجال الديمقراطية الحقيقية والإصلاح الحقيقي بطريقة سلمية هادئة, تصلح أن تكون نموذجاً للعرب والعالم, بعيداً عن الدماء والقتلى والفوضى وبعيداً عن منهج التحريض والتعبئة.0
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم