المملكة الأردنية الهاشمية منذ النشأة والتكوين كانت سابقة الى العمل الحزبي والايمان به، وكانت هي الدولة الديمقراطية في المنطقة قبل سواها، وشاهد ذلك أوضح من الشمس في كبد السماء، حيث خلت السجون من المعتقلين السياسيين، ولم يرق على ترابها دماء اعدام، والاجتماعات مباحة ومنتشرة في كل مكان، والرأي الآخر يعلو متى يشاء دون خوف أو مساءلة أو عقوبة، والحرية وحقوق الانسان مصانة مكرمة، وأكثرها تنظيما على الساحة الأردنية حزب الاخوان المسلمين (جبهة العمل الاسلامي لاحقا).
ولا زلنا نذكر ونقرأ عن قادتها السابقين أهل الصفات الجليلة الكبيرة أمثال عبدالرحمن خليفة ويوسف العظم واسحق الفرحان والفاضل عبداللطيف عربيات الذي يشهد له الكثير بمواقفه الوطنية الصادقة الهادفة والبناءة، وهم من العمالقة الأردنيين رجالات الوطن الذين يذكرهم يوم الشدة والبأس، وكانت لهم بصمات لا تمحى في تاريخ هذا البلد وساهموا أكثر من غيرهم في اقالة العثرات واطفاء نيران هبت بأكثر من اتجاه، وكان ولاؤهم نقيا تقيا، وأن أمن الأردن عبادة، فعلا لا قولا ولا تجارة كلام. واستمرت العلاقة بينهم وبين الدولة على هذا النحو الصادق الخالي من الشوائب.
لكن وللأسف الشديد ومنذ بضع من السنين التي خلت، اعترى هذه المسيرة شيء من الغموض، وتبدلت الحال من الحسن الى ما هو أدنى، فالأصل أن تكون العلاقة متواصلة لا تنقطع ولا تتقطع، لادامة المعرفة بمجريات الواقع ومعطياته، ومرتكزة على الحوار المستند أساسا على احترام الرأي الآخر، وليس من العدالة السماوية ولا من التقاليد والعادات الاجتماعية، وليس من القوانين الوضعية، أن تفرض الآراء التي تحقق أهداف الطرف الواحد، وما كان عكس ذلك فهو مرفوض، وبديله الشارع العام والاعتصام والتظاهر والتهديد واستعراض القوى وارتفاع الأصوات والشتم والسب، مع شدة الاصرار على تبرئة الذات من التبعيات وادعاء البراءة من كل السلبيات التي ارتكبت وتسارع بالتقاطها الأثير العاشق للعبث والمهول للخبر.
ثم ان الأسلوب السلبي في الحوار لا يقود للنجاح، وأن النتيجة الحتمية هي الفشل، وان أُلبس أثوابا مزركشة تسر نظر البسطاء، فسرعان ما تذوب ألوانها وتكشف اللون الحقيقي الذي لا تزيغ منه الأبصار، وان أسلوب القوة والتلويح بها هي الطريق الأسرع للارهاب والقمع والتخويف والترويع، ليس لليافعين بمقدار ما تكون للأطفال والنساء وضعفاء القلوب، كما أنها زلزال مدمر للاستثمار والاقتصاد، فأين مقولة أن أمن الأردن عبادة؟ أم هي المقولة العسكرية أن الهجوم خير وسيلة للدفاع!!!.
ان اتباع المنهج التحليلي في هذه الحالة السائدة أمر حتمي فرض نفسه، وعليه فقد ترتب على أجهزة الدولة كافة المزيد من التنسيق والتعاون للمتابعة والتحليل والتمحيص وبكل الجدية، والحزم والا فان شمس الغد حامية فقد تذيب اللحم وتسحق العظم، وعلى هذه الأجهزة الخروج بالنتائج المبنية على الحقائق الدامغة وليس الافتراضات والوهم، للوصول الى “فرض الأمن والحماية” لكل المواطنين وممتلكاتهم، وهذا أقل واجب يلقى على عاتق الدولة، والابتعاد عن حالة الاسترضاء والمداهنة.
كلنا في المملكة الأردنية الهاشمية مع الحراك الوطني الصادق الهادف، ومع التطوير والتحديث، الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني، نسير خلفه بخطى ثابتة، لأنه هو الذي سبقنا جميعا ونادى بأفكار محدثة ومتقدمة قبل أن تصحو بعض الشعوب العربية من سباتها بعشر سنين وتنادي بالتغيير بحثا عن الحرية وحقوق الانسان، ولكننا في الوقت نفسه لسنا مع المزايدين ولسنا مع الطامعين ولسنا مع المستغلين للفرص، لأن ما في قلوبنا وعقولنا أكبر وأكثر أهمية من ذلك وهو الأمن والأمان وهو المناخ الذي يؤمن الحرية والحقوق والتنمية والاقتصاد، والعلم والازدهار وبه يتحقق الفرح وتهدأ وتطمئن النفوس.
فما هو مطلوب الآن، هو الرد وليس الصمت، بياناً للحق، ودفاعا عنه وتثبيتاً له، والتصدي للفتنة والوقوف بوجهها وصدها، وطمس الأحقاد وعدم تأجيجها بقصد تمزيق شمل الأمة وتفكيك نسيجها، اذ لا يعلم الا الله عاقبة هذه الأفعال وما ينتج عنها اذا اضطرمت نارها وحمى أوارها والعياذ بالله.
حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.
abeer.alzaben@gmail.com
الدستور