من حيث المبدأ؛ يرى سياسيون أردنيون بأنّه من الجيّد أن يحتضن الأردن مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فذلك -على أقل تقدير- يمنحنا حضوراً بصورة أو بأخرى في القضايا النهائية التي تخص الأمن الوطني والمصالح الأردنية، ويجعلنا على اطلاع دقيق بكل ما يجري في هذه الكواليس المهمة.
في المقابل، هذا الاعتبار لا يلغي اعتبارات أخرى بالدرجة نفسها من الأهمية، تدفع إلى التساؤل عن أسباب الاستضافة الأردنية لهذه المفاوضات؛ فيما إذا كان وزير الخارجية ناصر جودة، يملك "أوراقاً" تمنح الأردن قوة ضغط على الطرفين لتحقيق تقدم في مسار المفاوضات، ما يبرر هذه المجازفة بتقديم عروض استئناف المفاوضات هنا، وهي أقرب للفشل منها إلى النجاح!
السؤال الرئيس الذي تهرّب منه وزير الخارجية يكمن في شرط تجميد الاستيطان. إذ من المعروف أنّ هذا الملف كان السبب الرئيس لتجميد المفاوضات سابقاً، بعد أن تراجعت إدارة الرئيس باراك أوباما عن وعودها للفلسطينيين واستسلمت للتعنت الإسرائيلي، وأحبطت بعد ذلك مشروع الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وضيّقت الخناق على الرئيس محمود عباس.
من الواضح أنّ الموقف الإسرائيلي كما هو بلا أي تنازلات، فيما الطرف الذي جاء صاغراً إلى الطاولة مرّة أخرى بعد أن أفرغ ما في جعبته من التهديد والتحذير من مخاطر فشل التسوية والتفكير في البدائل، هم الفلسطينيون!
بالضرورة، هنالك مصلحة حيوية أردنية، وفق المقاربة الرسمية، في نجاح التسوية السلمية، لكن ما الجديد؟! في سياق موازين القوى والقراءة الحالية، فإنّ التنازلات الجديدة المتوقعة هي من الفلسطينيين.
إذا كانت الولايات المتحدة لم تستطع أن تجبر الطرف الإسرائيلي على تجميد الاستيطان، ولم يتزحزح نتنياهو ولا حكومته اليمينية قيد أنملة عن مواقفهم المتصلبة خلال الفترة الماضية، فهل ستنجح خارجيتنا في إقناعه بالحسنى، مثلاً، بتجميد الاستيطان، ولاحقاً بتقديم عروض جوهرية في ملف الحدود والأمن والقدس، فضلاً عن الملف الأكثر تعقيداً وحساسية وهو ملف اللاجئين الفلسطينيين؟
بالضرورة، الأردن ليست دولة حاضنة، جغرافياً فقط، للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، وهي ليست طرفاًً محايداً، بل لها مصالح معروفة ومواقف محددة، واحتضانها مثل هذه الاجتماعات له دلالته السياسية، وله آثاره الضارّة على الصورة الإعلامية للأردن، ما يجعل الكلفة أكبر من المنفعة، بخاصة لدى الرأي العام العربي اليوم، إذ عانينا طويلاً من الاتهام والتشكيك بمواقفنا السياسية وعلاقتنا بإسرائيل، ولسنا بحاجة اليوم في ذروة الربيع الديمقراطي العربي، أن نُتّهم بأنّنا بمثابة بوابة لإعادة تأهيل إسرائيل عربياً، بعد العزلة والانتكاسة الكبيرة التي تعرّضت لها حتى مع دولة مثل مصر كانت قد وقعت معها اتفاقية سلام.
ربما يرى بعض السياسيين أنّ الأردن لن يخسر شيئاً في حال فشلت المفاوضات، بل ستكون له فضيلة المحاولة لإعادة التسوية السلمية لأولويات المنطقة، بعدما غابت خلال الفترة الأخيرة تماماً، وسيحقق نجاحاً إذا تجاوز الطرفان تلك الخلافات وأحرزا تقدماً في الملفات النهائية.
إلاّ أنّ الخسارة تحققت سلفاً باستضافة المفاوضات من دون وجود أوراق ضغط أردنية أو مصادر قوة حقيقية، وبالتنازل عن شرط تجميد الاستيطان إلى البحث في قضايا الحل النهائي مباشرةً، والأهم من هذا وذاك أنّ فشل الاجتماعات هو تخفيف جديد من قيمة الدور الإقليمي للأردن وإمكانياته.
قوة الأردن في التسوية السلمية ترتبط بمعادلات واضحة، من ضمنها تماسك الحالة الفلسطينية الداخلية، وإعادة تشكيل المعادلة الإقليمية وتغيير موازين القوى، وفق المعطيات الجديدة في المنطقة. عندئذٍ - فقط- يمكن أن نفهم دوراً أردنياً معتبراً في استضافة مفاوضات التسوية.
الغد