ألم يحن الوقت لنصحو .. ؟!
أ.د عمر الحضرمي
04-01-2012 04:05 AM
أن يصل الأمر بدولة، تقول إنها الأعظم، وإنها الحامية للبشرية، وإنها الأقوى، وإنها الحامي الوحيد للديمقراطية والسلام، أن يصل الأمر بالولايات المتحدة الأمريكيّة إلى هذه الدرجة من السقوط والإسفاف والخضوع والتبعية لإسرائيل، بحيث أصبحت المصلحة الإسرائيلية في استراتيجيّة الإدارات الأمريكية تسمو بدرجات على المصلحة الأمريكية، وبحيث أصبحت مسألة حماية إسرائيل ودعمها ساحة للتسابق بين الساسة الأمريكيين، وخاصة أولئك الذين يرشحون أنفسهم للانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي تنشئ فيه أمريكا حروباً غير مبررة ضد الآغيار، فتدمّر العراق وغزة وجنوب لبنان وأفغانستان وليبيا، وتستخدم ضدّها كل أنواع الأسلحة المحرّمة دولياً وإنسانياً وأخلاقياً.
هذه الدولة نفسها يطل علينا أحد أعضاء فكرها السياسي، الذي ربما يصبح في يوم من الأيام رئيساً للجمهورية، ويقول لنا (10/12/2011) في مناظرة «إن الفلسطينيين هم مجموعة إرهابيين، ويعلمون الإرهاب في مدارسهم». هذا الشخص المملوء بالعنصرية والحقد والإجرام، ربما يصبح في يوم من الأيام سيّد العالم، وعندها، وتماهياً مع فكره»، سيقتل كل الفلسطينيين، ويبقي كل إسرائيلي لأنه، حسبما يرى، العنصر الطاهر النقي الذي لا يمارس الإرهاب ولا يحتل أرض الآخرين، ولا يقتل أهل غزّة وأهل جنوب لبنان وأهل الضفة الغربية ويساهم في قتل العراقيين والليبيين وغيرهم كثير. هذا الرجل يدّعي أن الفلسطينيين شعب مخترع، ويتجاهل قصداً، أنهم سبقوا مجيئه هو إلى أرض الهنود الحمر بآلاف السنين.
يومها قلنا إن هذه موجة تركبها كل الإدارات الأمريكية، وكان آخرها ذلك التصريح «القبيح» الذي أطلقه باراك أوباما، وهو القادم من رحم الطبقة «المهروسة»، في المجتمع الأمريكي، ومن الفئة التي لم تبق إهانة إلا وجهت إليها، وبالرغم من ذلك يقول باراك في تصريحه «إني أتحدّى إن كان هناك رئيس أمريكي قبلي قد دعم إسرائيل مثلما فعلت أنا».
مرّ هذان الخبران دون أن يقف أي أمريكي ضدّهما، بل على العكس من ذلك فقد وجد الرجلان الكثيرين ممن يشكرون لهما هذا الرأي وذاك.
وفي المقابل، وبعد أقل من شهر، سمعنا هديراً هائلاً من التهم والانتقادات توجّه إلى رون بول أحد المرشحين الجمهوريين المنافسين لغينغريتش، لأن واحداً قد نقل عنه، ولو بصورة غير مباشرة، «إنه يفضل لو أن إسرائيل لم تكن موجودة، وأنه يرغب في إزالتها، وفي إعادة الأرض إلى أصحابها».
في مواجهة ذلك اضطر فريق الحملة الانتخابية للمرشح بول أن يجنّد كل وسائل الدفاع لنفي هذه التهمة التي أطلقها أريك دونيرو المستشار السابق لبول، فقد وصفه الفريق بأنه «شخص غير صادق وأنه موظف سابق حانق لأنه طرد من العمل بسبب عدم أهليته، وهو لا يتمتع بأيّة مصداقية، وبالتالي يجب أن لا يؤخذ كلامه على محمل الجد».
وبعد، فإن أمرين متناغمين قد حكما الرأي العام الأمريكي، الذي لم تخرجه إداراته عن الولاء لإسرائيل، حتى لو كان في ذلك خطر أو ضرر يحيط بأمريكا ذاتها، أو يسيء إلى كرامتها أو مصداقيتها أو حتى صداقتها مع العالم أو مصالحها القوميّة، وكان جوهر التناغم متأتياً من خدمة إسرائيل على حساب الحق والمنطق والعدل. فما هو مع إسرائيل مقبول ومشروع وعكس ذلك مرفوض حتى لو كان عدلاً أو حقاً أو قانوناً.
وهكذا فلا بد لنا من أن نصحو، ونقرأ تماماً مكوّنات الرؤية الأمريكية وجوهرها، ولا بد أن نعيد ترتيب أمورنا حتى نستعيد قدرتنا وكرامتنا وعزتنا، ولا مناص من إسماع أمريكا أن ولاءها لإسرائيل على حسابنا لم يعد مقبولاً أبداً. فالشعوب لا تحيا إلا مرّة واحدة، والتاريخ إن كتب أسفاره فإنه يمضي دون أن يلتفت إلى الخلف.
الرأي