الصحافة الالكترونية : إلى أين المفر؟
د. رلى الفرا الحروب
24-09-2007 03:00 AM
مبارك للسادة في دائرة المطبوعات والنشر اكتشافهم أمس الأول أن الصحافة الالكترونية صحافة وأنها تخضع للرقابة شأنها شأن الصحف المطبوعة.كنا نعتقد أن السادة في المطبوعات يدركون تلك المعلومة منذ زمن بعيد، ولكنهم قرروا ترك هامش من الحرية للمواطن يتنفس من خلاله باعتبار الفضاء مفتوحا للجميع ومن غير المنطقي ممارسة الرقابة حتى على الهواء!!
توجيه المطبوعات كتابا إلى ديوان التشريع تسأل فيه عن إمكانية تطبيق الرقابة على المواقع الالكترونية فتجيبها الأخيرة بالموافقة كان خبر الساعة يوم أمس، فقد توهمنا خطأ أن المطبوعات كانت تعرف تلك المعلومة البديهية، وتوهمنا خطأ أنها قررت طوعا رفع سقف الحرية عبر الأثير، بعد أن خنق عبر الحبر والأوراق.
إلى أين يتجه المواطن الأردني الآن بعد القرار الجديد بممارسة الرقابة وتطبيق العقوبات؟ ألا نتركه للمواقع الخارجية التي تصدرها غالبا إما جهات معادية للأردن أو جهات لا تعنيها الأردن من قريب أو بعيد، ومن ثم فإن سقف حريتها حقيقة هو السماء حيث تنشر كل شيء وأي شيء دون رقيب أو حسيب ودون خوف من خسارة أو تنكيل؟
لماذا نحارب إعلامنا؟ ولصالح من ندفع المواطن بعيدا عن صحفه المحلية مطبوعة كانت أم الكترونية؟ ولماذا نصر على إعطاء الصحافة الخارجية قصب السبق في نشر ما لا تجرؤ صحفنا على نشره ثم نتهم صحفنا بعد ذلك بانعدام المهنية ؟ لماذا نصر على إغلاق هذا الباب الوحيد المتبقي : باب الصحافة الالكترونية الذي ظننا أنه ترك عمدا لنكتشف أنه ترك سهوا وأن الخطأ سرعان ما تم تداركه حين تنبه المسؤول إلى حجم قراء المواقع الالكترونية تلك والذي يفوق غالبا كل الصحف المطبوعة مجتمعة؟
كنت وما زلت متعاطفة مع شخص الرئيس الدكتور البخيت، ولكن بعض أفراد حكومته في بعض المواقع بعيدون عنه بعد السماء عن الأرض ولا صلة لهم بفكره ونهجه، كما أنهم أشد بعدا عن فكر ونهج جلالة الملك عبد الله الثاني الذي يطالب الصحافة بالنقد ويريد سقفها السماء.
ألا يكفينا الرقيب تحت الجلد والرقيب بين الأضلع والرقباء المزروعون في كل مكان، حتى نفتش عن رقباء جدد في مواقع جديدة؟ اتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله!
هذه المواقع الالكترونية التي تثير غضب البعض باتت متنفسا للشعب، بعد أن استقطبت جماهير بعضها من النخبة المثقفة التي تمتهن السياسة وبعضها الآخر من القاعدة الشعبية العريضة التي تتصفح الانترنت وتدمن الإبحار بين بواباته، وإغلاقها أو اضطهادها وتخويفها للتراجع عن سقف حريتها لن يمنع القراء من البحث عن مواقع أخرى خارج الوطن تسد جوعهم إلى المعلومة والتحليل والتعليق، مع فارق أن تلك المواقع الأخرى لن تلتزم بالثوابت التي تراعيها معظم تلك المواقع التي تصدر من الوطن فمواقعنا أصحابها أردنيون ويخشون على أعمالهم وحياتهم ومراكزهم إن هم تجاوزوا أيا من الخطوط الحمر التقليدية، وهو شرط لا ينطبق على تلك المواقع الخارجية التي نريد تحويل المواطنين إليها من جديد.
ما يغيظ البعض في تلك المواقع المستهدفة بالقرار هو التعليقات التي ينشرها المواطنون على ما يرد فيها من أخبار على الأغلب، والتي تعد بحد ذاتها مصدرا قيما للمعلومات يتجاوز الأخبار بحد ذاتها، وإن كنا نعترف بوجود بعض الإساءات بالفعل على تلك المواقع للشخصيات العامة ووجود بعض الافتراءات والتجاوزات التي تتجاوز أخلاقيات المهنة وأعرافها، إلا أنها يفترض أن تصحح ذاتيا بدافع الالتزام المهني والأخلاقي من قبل المشرفين على التحرير، لا أن تنتظر التوجيهات الخارجية لتعديل مساراتها.
حرب المواقع الالكترونية ليست جديدة، فموقع حزب جبهة العمل الإسلامي وموقع الإخوان المسلمين وموقع عمون وموقع الانباط جميعها تعرضت وما زالت لقرصنة ومعارك مختلفة بدءا من الحجب وانتهاء بزراعة الفيروسات وبرامج التجسس، فإلى متى تستمر هذه العقلية في إدارة عصر المعلومات الجديد؟ ألا يريد البعض أن يتعلم أن ممارسة الرقابة على الفضاء مستحيلة؟ وأن الباب الذي تغلقه في اتجاه ما يفتح أبوابا في اتجاهات أخرى؟ وأن الموقع الذي تحاصره يثير فضول الناس لمتابعته؟
والله لقد حرنا في فهم العقل السياسي الذي يدير تلك المعارك، وما عدنا ندري إلى أي عصر ينتمي وماذا يريد؟ ولماذا يصر على معاكسة توجيهات الملك ونقض إنجازاته؟!
لدينا ملك متنور منفتح ليبرالي بكل ما في الكلمة من معنى، ولدينا رئيس حكومة ملتزم بتوجيهاته ويتمتع بهامش معقول من الانفتاح على الرأي الآخر والتسامح مع النقد، ولكن البعض في مواقع أخرى لا صلة لهم البتة برأس الدولة ورأس السلطة التنفيذية، ويعملون عكس التيار، بل ويحاولون خلق تيارات مضادة!!!
كفانا لعبا على الحبال، ومعارك من أجل حريات منقوصة، فقد سئمنا والله! اتركوا لهذا الشعب أبوابه التي يتنشق منها بعض نسائم الحرية، لأن إغلاقها لن يخنق ذلك الشعب، بل سيخنق الوطن ويخنقكم معه.