سبب غياب الاحزاب ، عن الحضور ، في حياة الناس ، ليس تجربة الخمسينات التي تركت تداعيات سلبية في الذاكرة الوطنية ، وليس "قسوة السلطة"ونظرها بعين حمراء الى كل حزبي ، مما يجعل الحزبية ، مكلفة ، فيبتعد عنها الناس ، واذا كانت كل هذه تركت اثرا بشكل او اخر ، فان السبب الاساس هو الحياة الحزبية ذاتها.
لنضرب مثلا ، في الجانب الحياتي والاجتماعي ، للاحزاب ، اذ لا نجدها تقوم بأي دور وطني تجاه هذه الملفات ، ولم نجد حزبا واحدا في الاردن استطاع اقامة مبادرة واحدة لتعليم الطلاب ، او اقامة مشاريع صغيرة ، او الاستفادة من ثراء المؤسسين احيانا ، لممارسة دور اجتماعي ، او تنموي ، وفي قصة الاسعار الاخيرة ، انحصر دور الاحزاب ، باصدار بيانات ، وتوزيعها على الصحف لنشرها ، وكفى الله المؤمنين القتال.
التجارب الحزبية في الدول التي انجزت ديموقراطيا ، نجد لها خطا واضحا ومحددا ، تجاه مختلف الملفات ، غير التعليق والتنديد واصدار البيانات ، فهناك وحدات حزبية تكون متخصصة في البيئة ، العمل الاجتماعي ، الوضع الاقتصادي ، وتتم الاستعانة بخبرات المختصين ، لوضع حلول وخطط ، والمساهمة الداخلية في حل المشاكل.
محليا ، لا نجد أي دور فعلي لهذه الاحزاب ، اذ انها احزاب "مناسف" تريد ان تأكل من معاجن الفقراء ، فتطلب الدعم من الحكومة ، وتصبح رقما سياسيا ، يضاف الى سلسلة الارقام الوطنية التي تتلقى مساعدة وزارة التنمية الاجتماعية ، وهي احزاب واجهات ، زعيمها ، هو كل الحزب ، يمضي وقته في طلب الدعوات من المسؤولين ، والبحث عن تمويل داخلي او خارجي ، ويصبح الحزب عبئا وطنيا بدلا من ان يكون معينا.
دلوني على حزب واحد ، قدم للدولة وللبلد ، خطة اقتصادية ، او اقتراحا بمشروع ، او رؤية اجتماعية قابلة للتنفيذ ، ودلوني ايضا على حزب واحد حقيقي ، يستطيع انصاره شن حملة في الرأي العام ، تجاه أي قضية ، ويتمكن من التأثير على هذه القضية.
كل ما نراه للاسف ، هو غنج وتأوه من ذكورة الحكومات الفائضة عن الحاجة ، دون ان نرى ابداعا ، او عملا حزبيا ، جاء ليعطي هذا البلد ، الذي اعطانا كلنا اكثر مما نستحق ، مهما سمعنا من تنكر وعقوق ، وكل ما نسمعه ، هو بيانات حزبية ، ولا نرى حزبا واحدا استطاع بلورة خطة لمساعدة الناس على تجاوز الوضع الاقتصادي ، واذا كانت الاحزاب ستقول ان هذا هو عمل الحكومات وليس عملنا ، عندها سنقول للاحزاب ، اننا اذن لسنا بحاجة الى منظرين ومعلقين ، فالاردن فيه ما يكفيه من كتاب وصحفيين وخطباء ونواب وسياسيين ، اغرقونا في بحر الكلام.
حتى حزب جبهة العمل الاسلامي ، نجد انه يسقط في قصة التسييس للعمل الخيري ، فيدفع للفقراء اربع سنوات ، مخصصات مالية من اموال المتبرعين ، ثم سرعان ما يطلب الثمن من الناخبين الفقراء ، في الانتخابات البلدية او النيابية ، بدلا من كونه عملا ربانيا خالصا لوجه الله ، في حين ان لا نظرية واضحة ولا خطة عمل محددة للتعامل مع الملفات التي تتعامل معها الدولة ، في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
لا نريد تنفير الناس من الحزبية ، غير انها حزبية كسولة ، لا تقدم شيئا لهذا البلد ، وتكتفي بندب حظها ، وان هناك مؤامرة فضائية ضدها ، ولو تسلمت الاحزاب القرار لدينا ، لاعادت الاردن الف عام الى الوراء ، لا سمح الله ، ويكفينا التجربة التي تثبت ان الاحزاب اكثر عرفية من الحكومات ، فالمسؤول حين تنتقده في الاردن يغضب ويشعل سيجارة حتى يهدأ ، والحزبي اذا انتقدته اصدر ضدك منشورا سريا واتهمك بالخيانة ، في الحد الادنى.